(٤) جاء فى آخر السورة السابقة وصف القرآن بقوله :« ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » وفى أول هذه وهو قوله :« تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ ». (١)
وجه مناسبتها لما قبلها أنه سبحانه قال فيما تقدم : وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ [يوسف : ١٠٥] فأجمل سبحانه الآيات السماوية والأرضية ثم فصل جل شأنه ذلك هنا أتم تفصيل، وأيضا أنه تعالى قد أتى هنا مما يدل على توحيده عز وجل ما يصلح شرحا لما حكاه عن يوسف عليه السلام من قوله : أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف : ٣٩] وأيضا في كل من السورتين ما فيه تسلية له - ﷺ -، هذا مع اشتراك آخر تلك السورة وأول هذه فيما فيه وصف القرآن كما لا يخفى. وجاء في فضلها ما أخرجه ابن أبي شيبة. والمروزي في الجنائز أنه كان يستحب إذا حضر الميت أن يقرأ عنده سورة الرعد فإن ذلك يخفف عن الميت وأنه أهون لقبضه وأيسر لشأنه، وجاء في ذلك أخبار أخر نصوا على وضعها واللّه تعالى أعلم. (٢)
سورة الرعد من السور المكية، التي تتناول المقاصد الأساسية للسور المكية، من تقرير " الوحدانية " و " الرسالة " و " البعث والجزاء " ودفع الشبه التي يثيرها المشركون، وقيل : إنها مدنية وجوها جو المكي. ابتدأت السورة الكريمة بالقضية الكبرى، قضية الإيمان بوجود الله ووحدانيته، فمع سطوع الحق ووضوحه، كذب المشركون بالقرآن، وجحدوا وحدانية الرحمن، فجاءت الآيات تقرر كمال قدرته تعالى، وعجيب خلقه، في السموات والأرض، والشمس والقمر، والليل والنهار، والزروع والثمار، وسائر ما خلق الله في هذا الكون الفسيح البديع.
ثم تلتها الآيات في إثبات البعث والجزاء، ثم بعد ذكر الأدلة الساطعة والبراهين القاطعة، على انفراده جل وعلا بالخلق والإِيجاد، والإِحياء والإِماتة، والنفع والضر، ضرب القرآن مثلين للحق والباطل أحدهما : في الماء ينزل من السماء، فتسيل به الأودية والشعاب، ثم هو يجرف في طريقه الغثاء، فيطفو على وجهه الزبد الذي لا فائدة فيه، والثاني : في المعادن التي تذاب لتصاغ منها الأواني وبعض الحلية كالذهب والفضة، وما يعلو هذه المعادن من الزبد والخبث، الذي لا يلبث ان يذهب جفاء ويضمحل ويتلاشى، ويبقى المعدن النقي الصافي [ أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا.. ]
(٢) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (٧ / ٨٠)