فلم ينفع الأتباع تلك اللعنات والشتائم، التي وجهوها إلى الرؤساء، فالكل في السعير، ثم ضربت الآيات، مثلا لكلمة الإيمان، وكلمة الضلال، بالشجرة الطيبة، والشجرة الخبيثة، وختمت السورة ببيان مصير الظالمين، يوم الجزاء والدين.
التسمية :
سميت السورة الكريمة (سورة إبراهيم ) تخليدا لمآثر أب الأنبياء، وإمام الحنفاء " إبراهيم " عليه السلام، الذي حطم الأصنام، وحمل راية التوحيد، وجاء بالحنيفية السمحة ودين الإسلام، الذي بعث الله به خاتم المرسلين، وقد قص علينا القرآن الكريم دعواته المباركات بعد انتهائه من بناء البيت العتيق، وكلها دعوات إلى الإيمان والتوحيد (١)
مقصود السورة التوحيد، وبيان أن هذا الكتاب غاية البلاغ إلى الله، لأنه كافل ببيان الصراط الدال عليه المؤدى إليه. ناقل - بما فيه من الأسرار - للخلق من طور إلى طور - بما يشير إليه حرف الراء، وأدل ما فيها على هذا المرام قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أما التوحيد فواضح، وأما أمر الكتاب فلأنه من جملة دعائه لذريته الذين أسكنهم عند البيت المحرم من ذرية إسماعيل عليه السلام ) ) ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك وبعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ( ) [ البقرة : ١٢٩ ].
ولما ختم الرعد بأنه لا شهادة تكافىء شهادة من عنده علم الكتاب إشارة إلى أن الكتاب هو الشاهد بإعجازه ببلاغته وما حوى من فنون العلوم، وأتى به في ذاك السياق معرفاً لما تقدم من ذكره في البقرة وغيرها ثم تكرر وصفه في سورة يونس وهود ويوسف والرعد بأنه حكيم محكم مفصل مبين، وأنه الحق الثابت الذي تزول الجبال الرواسي وهو ثابت لا يتعتع شيء منه. (٢)
هذه السورة - سورة إبراهيم - مكية، موضوعها الأساسي هو موضوع السور المكية الغالب : العقيدة في أصولها الكبيرة : الوحي والرسالة والتوحيد والبعث والحساب والجزاء.
ولكن السياق في السورة يسلك نهجا خاصا بها في عرض هذا الموضوع وحقائقه الأصيلة. نهجا مفردا يميزها - كالشأن في كل سورة قرآنية - عن السور غيرها. يميزها بجوها وطريقة أدائها، والأضواء والظلال الخاصة التي تعرض فيها حقائقها الكبرى. ولون هذه الحقائق التي قد لا تفترق موضوعيا عن مثيلاتها في السور الأخرى ولكنها تعرض من زاوية خاصة، في أضواء خاصة فتوحي إيحاءات خاصة. كما تختلف مساحتها في رقعة السورة وجوها، فتزيد أطرافا وتنقص أطرافا، فيحسها القارئ جديدة بما
(٢) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٤ / ١٦٥)