ذكر في آخر السورة السابقة المستهزئين المكذبين وذكر الموت، وقال : لنسألنهم أجمعين، كل ذلك يتناسب مع أول السورة هنا، وعدد آياتها ثمان وعشرون ومائة آية. (١)
هذه السورة مكية سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة منصرف رسول اللّه - ﷺ - من أحد. وآيها ثمان وعشرون ومائة.
ووجه ارتباطها بما قبلها أنه لما قال فى السورة السالفة :« فو ربّك لنسألنهم أجمعين » كان ذلك تنبيها إلى حشرهم يوم القيامة وسؤالهم عما فعلوه فى الدنيا، فقيل :« أتى أمر اللّه » وأيضا فإن قوله فى آخرها :« واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين » شديد الالتئام بقوله أتى أمر اللّه. (٢)
سورة النحل من السور المكية التي تعالج موضوعات العقيدة الكبرى (الألوهية، والوحي، والبعث والنشور) وإلى جانب ذلك تتحدث عن دلائل القدرة والوحدانية، في ذلك العالم الفسيح، في السموات والأرض، والبحار والجبال، والسهولِ والوديان، والماء الهاطل، والنبات النامي، والفلك التي تجري في البحر، والنجوم التي يهتدي بها السالكون في ظلمات الليل، إلى آخر تلك المشاهد التي يراها الإنسان في حياته، ويدركها بسمعه وبصره، وهي صور حية مشاهدة، دالة على وحدانية الله جل وعلا، وناطقة بأثار قدرته التي أبدع بها جل جلاله الكائنات.
* تناولت السورة الكريمة في البدء أمر الوحي " الذي كان مجال إنكار المشركين واستهزائهم، فقد كذبوا بالوحي واستبعدوا قيام الساعة، واستعجلوا الرسول ( - ﷺ - ) أن يأتيهم بالعذاب الذي خوفهم به، وكلما تأخر العذاب زادوا استعجالا وسخرية، وزادوا استهزاء واستهتاراً.
* ولقد هدفت السورة الكريمة إلى تقرير مبدأ (وحدانية الله ) جل وعلا بلفت الأنظار إلى قدرة الله الواحد القهار، فخاطبت كل حاسةٍ في الإنسان، وكل جارحةٍ في كيانه البشري، ليتجه بعقله إلى ربه، ويستنير بما يرى من آثار صنع الله على عظمة الله سبحانه وتعالى.
* ثم تتابعت السورة الكريمةُ تذكر الناس بنتيجة الكفر بنعم الله، وعدم القيام بشكرها، وتحذرهم تلك العاقبة الوخيمة التي يئول إليها مصيرُ كل معاند وجاحد.
* وختمت السورة الكريمة بأمر الرسول ( - ﷺ - ) بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والصبر والعفو عما يلقاه من الأذى في سبيل تبليغ دعوة الله، فله عند الله الجزاء الأوفى. التسميه : سميت هذه
(٢) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (١٤ / ٥١)