الحساس. إنها تخاطب العين لترى، والأذن لتسمع، واللمس ليستشعر، والوجدان ليتأثر، والعقل ليتدبر. وتحشد الكون كله : سماءه وأرضه، وشمسه وقمره، وليله ونهاره، وجباله وبحاره وفجاجه وأنهاره وظلاله وأكنانه نبته وثماره، وحيوانه وطيوره. كما تحشد دنياه وآخرته، وأسراره وغيوبه.. كلها أدوات توقع بها على أوتار الحواس والجوارح والعقول والقلوب، مختلف الإيقاعات التي لا يصمد لها فلا يتأثر بها إلا العقل المغلق والقلب الميت، والحس المطموس.
هذه الإيقاعات تتناول التوجيه إلى آيات اللّه في الكون، وآلائه على الناس كما تتناول مشاهد القيامة، وصور الاحتضار، ومصارع الغابرين تصاحبها اللمسات الوجدانية التي تتدسس إلى أسرار الأنفس، وإلى أحوال البشر وهم أجنة في البطون، وهم في الشباب والهرم والشيخوخة، وهم في حالات الضعف والقوة، وهم في أحوال النعمة والنقمة. كذلك يتخذ الأمثال والمشاهد والحوار والقصص الخفيف أدوات للعرض والإيضاح.
فأما الظلال العميقة التي تلون جو السورة كله فهي الآيات الكونية تتجلى فيها عظمة الخلق، وعظمة النعمة، وعظمة العلم والتدبير.. كلها متداخلة.. فهذا الخلق الهائل العظيم المدبر عن علم وتقدير، ملحوظ فيه أن يكون نعمة على البشر، لا تلبي ضروراتهم وحدها، ولكن تلبي أشواقهم كذلك، فتسد الضرورة. وتتخذ للزينة، وترتاح بها أبدانهم وتستروح لها نفوسهم، لعلهم يشكرون..
ومن ثم تتراءى في السورة ظلال النعمة وظلال الشكر، والتوجيهات إليها، والتعقيب بها في مقاطع السورة، وتضرب عليها الأمثال، وتعرض لها النماذج، وأظهرها نموذج إبراهيم «شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ».
كل أولئك في تناسق ملحوظ بين الصور والظلال والعبارات والإيقاعات، والقضايا والموضوعات.. (١)
مجمل ما حوته السورة الكريمة من الآداب والأحكام
(١) استعجال المشركين للساعة.
(٢) ذكر الأدلة على التوحيد بخلق العالم العلوي والسفلى وخلق الإنسان.
(٣) الامتنان على عباده بخلق الأنعام وما فيها من المنافع من أكل وحمل أثقال إلى البلاد البعيدة.
(٤) النعي على المشركين فى عبادة الأصنام والأوثان.
(٥) إنذار المشركين بأن يحل بهم مثل ما حل بمن قبلهم من المثلات وبما آتاهم من العذاب من حيث لا يشعرون.

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٤ / ٢١٥٨)


الصفحة التالية
Icon