الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ، وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً»
في تلك الموضوعات المنوعة حول ذلك المحور الواحد الذي بيّنا، يمضي سياق السورة في أشواط متتابعة.
يبدأ الشوط الأول بالإشارة إلى الإسراء :«سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ» مع الكشف عن حكمة الإسراء «لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا».. وبمناسبة المسجد الأقصى يذكر كتاب موسى وما قضى فيه لبني إسرائيل، من نكبة وهلاك وتشريد مرتين، بسبب طغيانهم وإفسادهم مع إنذارهم بثالثة ورابعة «وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا».. ثم يقرر أن الكتاب الأخير - القرآن - يهدي للتي هي أقوم، بينما الإنسان عجول مندفع لا يملك زمام انفعالاته. ويقرر قاعدة التبعة الفردية في الهدى والضلال، وقاعدة التبعة الجماعية في التصرفات والسلوك.
ويبدأ الشوط الثاني بقاعدة التوحيد، ليقيم عليها البناء الاجتماعي كله وآداب العمل والسلوك فيه، ويشدها إلى هذا المحور الذي لا يقوم بناء الحياة إلا مستندا إليه.
ويتحدث في الشوط الثالث عن أوهام الوثنية الجاهلية حول نسبة البنات والشركاء إلى اللّه، وعن البعث واستبعادهم لوقوعه، وعن استقبالهم للقرآن وتقولاتهم على الرسول - ﷺ - ويأمر المؤمنين أن يقولوا قولا آخر، ويتكلموا بالتي هي أحسن.
وفي الشوط الرابع يبين لماذا لم يرسل اللّه محمدا - ﷺ - بالخوارق فقد كذب بها الأولون، فحق عليهم الهلاك اتباعا لسنة اللّه كما يتناول موقف المشركين من إنذار اللّه لهم في رؤيا الرسول - ﷺ - وتكذيبهم وطغيانهم. ويجيء في هذا السياق طرف من قصة إبليس، وإعلانه أنه سيكون حربا على ذرية آدم. يجيء هذا الطرف من القصة كأنه كشف لعوامل الضلال الذي يبدو من المشركين. ويعقب عليه بتخويف البشر من عذاب اللّه، وتذكيرهم بنعمة اللّه عليهم في تكريم الإنسان، وما ينتظر الطائعين والعصاة يوم ندعو كل أناس بإمامهم :«فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا. وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا».
ويستعرض الشوط الأخير كيد المشركين للرسول - ﷺ - ومحاولة فتنته عن بعض ما أنزل إليه ومحاولة إخراجه من مكة. ولو أخرجوه قسرا - ولم يخرج هو مهاجرا بأمر اللّه - لحل بهم الهلاك الذي حل بالقرى من قبلهم حين أخرجت رسلها أو قتلتهم. ويأمر الرسول - ﷺ - أن يمضي في طريقه يقرأ قرآنه ويصلي صلاته، ويدعو اللّه أن يحسن مدخله ومخرجه ويعلن مجيء الحق وزهوق الباطل، ويعقب بأن هذا


الصفحة التالية
Icon