وتخللت هذه القصص أمثلة ثلاثة بارزة رائعة مستمدة من الواقع، لإظهار أن الحق لا يقترن بالسلطة والغنى، وإنما يرتبط بالإيمان، وأول هذه الأمثلة :
قصة أصحاب الجنتين [٣٢ - ٤٤] للمقارنة بين الغني المغتر بماله، والفقير المعتز بإيمانه، لبيان حال فقراء المؤمنين وحال أغنياء المشركين.
وثانيها : مثل الحياة الدنيا [٤٥ - ٤٦] لإنذار الناس بفنائها وزوالها. وأردف ذلك بإيراد بعض مشاهد القيامة الرهيبة من تسيير الجبال، وحشر الناس في صعيد واحد، ومفاجأة الناس بضائف أعمالهم [٤٧ - ٤٩].
وثالثها : قصة إبليس وإبائه السجود لآدم [٥٠ - ٥٣] للموازنة بين التكبر والغرور، وما أدى إليه من طرد وحرمان وتحذير الناس من شر الشيطان، وبين العبودية للّه والتواضع، وما حقق من رضوان اللّه تعالى.
وأردف ذلك بيان عناية القرآن بضرب الأمثال للناس للعظة والذكرى، وإيضاح مهام الرسل للتبشير والإنذار، والتحذير من الإعراض عن آيات اللّه [٥٤ - ٥٧].
وأن سياسة التشريع اقتران الرحمة بالعدل، فليست الرحمة فوق العدل ولا العدل فوق الرحمة : وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ [٥٨ - ٥٩].
وختمت السورة بموضوعات ثلاثة : أولها - إعلان تبديد أعمال الكفار وضياع ثمرتها في الآخرة [١٠٠ - ١٠٦] وثانيها - تبشير المؤمنين الذين عملوا الصالحات بالنعيم الأبدي الأخروي [١٠٧ - ١٠٨] وثالثها - أن علم اللّه تعالى لا يحده حد ولا نهاية له [١٠٩ - ١١٠]. (١)
قال القرطبي : وهي مكية في قول جميع المفسرين وقال الكشاف مكية إلا بعض آيات فيها، والرأى الأول هو الصحيح، وعدد آياتها عشر ومائة.
وتراها تكلمت عن القرآن الكريم وأثره، ثم ذكرت قصة أصحاب الكهف وما فيها من عبر. وأتبعتها توجيهات نافعة : ثم سبق مثل عملي المغتر بالدنيا والمغرور بها مع تذكير الناس بيوم القيامة وفي خلال ذلك حكم وآيات، وتوجيهات وإنذارات ثم بعد ذلك كانت قصة موسى مع الخضر، وإجابتهم عن الروح وعن ذي القرنين، وما أروع ختام هذه السورة بالكلام على المؤمنين وكلمات اللّه لا تنفد. (٢)
هى مكية كلها فى المشهور واختاره جمع من العلماء، وآيها مائة وإحدى عشرة.
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٢ / ٤٠٣)