ومناسبتها ما قبلها من وجوه.
(١) إن سورة الإسراء افتتحت بالتسبيح، وهذه بالتحميد، وهما مقترنان فى سائر الكلام فى نحو « فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ » ونحو سبحان اللّه وبحمده.
(٢) تشابه ختام السالفة وافتتاح هذه، فإنّ كلا منهما حمد.
(٣) إنه ذكر فى السابقة قوله :« وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا » والخطاب فيها لليهود، وذكر هنا قصة موسى نبىّ بنى إسرائيل مع الخضر عليهما السلام وهى تدل على كثرة معلومات اللّه التي لا تحصى، فكانت كالدليل على ما تقدم.
(٤) إنه جاء فى السورة السابقة :« فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا » ثم فصل ذلك هنا بقوله :« فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا » إلى قوله :« وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً ». (١)
وجه مناسبة وضعها بعد الإسراء على ما قيل افتتاح تلك بالتسبيح وهذه بالتحميد وهما مقترنان في الميزان وسائر الكلام نحو فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [الحجر : ٩٨، النصر : ٣] فسبحان اللّه وبحمده وأيضا تشابه اختتام تلك وافتتاح هذه فإن في كل منهما حمدا، نعم فرق بينهما بأن الحمد الأول ظاهر في الحمد الذاتي والحمد المفتتح به في هذه يدل على الاستحقاق الغير الذاتي، وقال الجلال السيوطي في ذلك : أن اليهود أمروا المشركين أن يسألوا النبي - ﷺ - عن ثلاثة أشياء عن الروح وعن قصة أصحاب الكهف وعن قصة ذي القرنين، وقد ذكر جواب السؤال الأول في آخر السورة الأولى وجواب السؤالين الآخرين في هذه فناسب اتصالهما، ولم تجمع الأجوبة الثلاثة في سورة لأنه لم يقع الجواب عن الأول بالبيان فناسب أن يذكر وحده في سورة، واختيرت سورة الإسراء لما بين الروح وبين الإسراء من المشاركة بأن كلا منهما مما لا يكاد تصل إلى حقيقته العقول، وقيل : إنما ذكر هناك لما أن الإسراء متضمن العروج إلى المحل الأرفع والروح متصفة بالهبوط من ذلك المحل ولذا قال ابن سينا فيها :
هبطت إليك من المحل الأرفع ورقاء ذات تعزز وتمنع
ثم قال : ظهر لي وجه آخر وهو أنه تعالى لما قال في تلك وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء : ٨٥] والخطاب لليهود استظهر على ذلك بقصة موسى نبي بني إسرائيل مع الخضر عليهما السلام التي كان سببها ذكر العلم والأعلم وما دلت عليه من كثرة معلومات اللّه تعالى التي لا تحصى فكانت هذه السورة

(١) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١١٣)


الصفحة التالية
Icon