تعالى قتله القبطي، وقرب نجيا، ومن صفاتها الجهر والشدة والانفتاح، والاستعالاء والقلقلة، وهو عريق يفي كل من خيرات ذلك، وداود عليه السلام ثاني ذوي كتبهم بمنزلة الهمزة التي هي أبعد من مخرج الهاء إحدى هذه الحروف، وهو أول من جمع من بني إسرائيل بين الملك والنبوة، وله حظ من صفاتها : الجهر والشدة والانفتاح، بما كان فيه من الملك والظهور، والنصر على الأعداء وعجائب المقدور، وله حظ من وصفها بالاستفال في أول أمره وفي آخره بما كان من بكائه وتواضعه وإخباته لربه وصلاحه، فالكاف هنا إشارة إلى أن عيسى عليه الصلاة والسلام هو ثاني الشارعين يفي الوجود، والهاء عبارة عن أنه من عقب داود عليه السلام، وكل منهما له حظ من صفات الحرف المشير إليه الدال عليه، والصاد التي هي من طرف اللسان وهي خاتمة هذه الحروف إشارة مما فيها من الإطباق المشير إلى تطبيق الرسالة لجميع الوجوه، ومن الاستعلاء المشير إلى نهاية العطمة، والصفير المشير إلى غاية الانتشار بما فيها من الصفات إلى أن أول أمر عيسى عليه السلام يكون فيه مع الشدة ضعف، ثم تشير أيضا الهاء - التي هي من أقصى الحلق - إلى أن أمره يبطن بعد ذلك الظهور ويخفى بارتفاعه إلى السماء، ويدل الاستفال على أنها قريبة إلى السفلى، وهو كذلك فإنه في الثانية بدلالة رتبة الكاف والهاء في مخرجيهما، وتشير الياء بجهرها إلى ظهوره بنزوله، وتدل بكونها من وسط اللسان على تمكنه في أموره، وباعتلائها على شيء في ذلك وهو ضعف الاتباع وحصرهم في ذلك الوقت، وتدل بانفتاحها ورخاوتها على ظهوره على الدجال في أولئك القوم الذين قد جهدهم البلاء عند نزوله، ومسهم الضر قبل حلوله، وتليح غلبة الاستفال عليها إلى أمر يأجوج ومأجوج لما يوحيه الله إليه " إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بهم، فجرز عبادي إلى الطور " وتدل العين بكونها من وسط الحق على انحصارهم، ويجهرها على أنه لا سبيل للعدو عليهم ولا وصول بوجه إليهم، وبما فيها من البينية والاستفال على جهدهم مع حسن العاقبة، وتبشر - بما فيها من الانفتاح - بحصول الفتح الذي ليس وراءه ٩ فتح، وتدل الصاد بمخرجها على القوة الزائدة، وبالهمس والرخاوة على أنها قوة لا بطش فيها، وبالإطباق والاستعلاء على عموم الذين جميع الناس، وبالصفير على أنه ليس وراء ذلك إلا النفخ في الصور لعموم الهلاك لكل موجود مفطور، ثم لبعثرة القبور، وتحصيل ما في الصدور، وكل هذا من ترتيب سنته سبحانه في المصطفين من عباده على هذا النحو البديع، وترتيب هذه الحروف على هذا النظم الدال عليه دائر على القدرة التامة والعلم الشامل والحكمة الباهرة، رحمهم سبحانه بأن نكبهم طريق الجبارين التي أوصلتهم إلى القسوة، وجنبهم سنن المستكبرين التي تلجئ ولا بد إلأى الشقوة، فجعل نصرهم في لوامع انكسار، وكسرهم في جوامع انتصار، وحماهم من فخامة دائمة تجر إلى بذح وعلو واستكبار، ومن رقة ثابتة تحمل على ذل وسفول وصغار، فلقد انطبق الاسمان على المسمى، واتضحا غاية الاتضاح في أمره ونما، وهذا معنى ما قال الكلبي : هو


الصفحة التالية