، ابتدأه سبحانه بالطاء إشارة بمخرجها الذي هو من رأس اللسان وأصول الثنيتين العليين إلى قوة أمر وانتشاره، وعلوه وكثرة أتباعه، لأن هذا المخرج أكثر المخارج حروفاً، وأشدها حركة وأوسعها انتشاراً، وبما فيها من صفات الجهر والإطباق و الاستعلاء والقلقلة إلى انقلاب ما هو فيه من الإسرار جهراً، وما هو فيه من الرقة فخامة، لأنها من حروف التفخيم، وأنه يستعلي أمره، وينتشر ذكره، حتى يطبق جميع الوجود ويقلقل سائر الأمم، ولكن يكون ذلك بما تشير إليه الهاء بمخرجها من أقصى الحلق. (١)
تبدأ هذه السورة وتختم خطابا للرسول - ﷺ - ببيان وظيفته وحدود تكاليفه.. إنها ليست شقوة كتبت عليه، وليست عناء يعذب به. إنما هي الدعوة والتذكرة، وهي التبشير والإنذار. وأمر الخلق بعد ذلك إلى اللّه الواحد الذي لا إله غيره. المهيمن على ظاهر الكون وباطنه، الخبير بظواهر القلوب وخوافيها.
الذي تعنو له الجباه، ويرجع إليه الناس : طائعهم وعاصيهم.. فلا على الرسول ممن يكذب ويكفر ولا يشقى لأنهم يكذبون ويكفرون.
وبين المطلع والختام تعرض قصة موسى عليه السلام من حلقة الرسالة إلى حلقة اتخاذ بني إسرائيل للعجل بعد خروجهم من مصر، مفصلة مطولة وبخاصة موقف المناجاة بين اللّه وكليمه موسى - وموقف الجدل بين موسى وفرعون. وموقف المباراة بين موسى والسحرة... وتتجلى في غضون القصة رعاية اللّه لموسى الذي صنعه على عينه واصطنعه لنفسه، وقال له ولأخيه :«لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى »..
وتعرض قصة آدم سريعة قصيرة، تبرز فيها رحمة اللّه لآدم بعد خطيئته، وهدايته له. وترك البشر من أبنائه لما يختارون من هدى أو ضلال بعد التذكير والإنذار.
وتحيط بالقصة مشاهد القيامة. وكأنما هي تكملة لما كان أول الأمر في الملأ الأعلى من قصة آدم. حيث يعود الطائعون إلى الجنة، ويذهب العصاة إلى النار. تصديقا لما قيل لأبيهم آدم، وهو يهبط إلى الأرض بعد ما كان!
ومن ثم يمضي السياق في هذه السورة في شوطين اثنين : الشوط الأول يتضمن مطلع السورة بالخطاب إلى الرسول - ﷺ - «ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى. إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى...» تتبعه قصة موسى نموذجا كاملا لرعاية اللّه سبحانه لمن يختارهم لإبلاغ دعوته فلا يشقون بها وهم في رعايته.
والشوط الثاني يتضمن مشاهد القيامة وقصة آدم وهما يسيران في اتجاه مطلع السورة وقصة موسى. ثم ختام السورة بما يشبه مطلعها ويتناسق معه ومع جو السورة.