ما رواه البخاري عن عبداللّه بن مسعود قال :«بنو إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء : هن من العتاق الأول، وهن من تلادي» أي من قديم ما حفظ من القرآن، كالمال التّلاد.
ولما نزلت هذه السورة قيل لعامر بن ربيعة رضي اللّه عنه : هلا سألت النبي - ﷺ - عنها؟ فقال :«نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا».
مشتملاتها :
موضوع السورة بيان أصول العقيدة الإسلامية ومبادئها وهي التوحيد، والرسالة النبوية، والبعث والجزاء، وقد بدأت بوصف أهوال القيامة، ثم ذكرت قصص جملة من الأنبياء الكرام عليهم السلام، كما تقدم.
كانت البداية مرهبة مرعبة، منذرة محذّرة بقرب قيام الساعة، والناس لاهون غافلون عنها وعن خطورة الحساب والعقاب، معرضون عن سماع القرآن، مفتونون بلذائذ الحياة الدنيا.
ثم أوضحت السبب في إنكار المشركين في مكة نبوة محمد - ﷺ - وهو أنه بشر مثلهم، وعجزه عن الإتيان بآيات فذة ومعجزات باهرة مادية، كما أتى بها الأنبياء السابقون مثل موسى وعيسى، فرد القرآن عليهم بأن الأنبياء جميعا كانوا بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ثم أنذرهم بالإهلاك، كما أهلك بعض الأمم المتقدمة لتكذيبهم رسلهم، ولفت أنظارهم إلى عظمة خلق السموات والأرض، وإلى أن الملائكة طائعون للّه، منقادون لأمره، ينفّذون ما أمروا به من التعذيب بسرعة لا تعرف التردد والانتظار، ونعى على من ادعى أنهم بنات اللّه تعالى.
ثم ناقشهم القرآن في اتخاذهم آلهة من دون اللّه، وطالبهم بالدليل على ادعائهم، وأقام البرهان على وحدانية اللّه إذ لو كان في السماء والأرض آلهة إلا اللّه لفسدتا، ووصف النشأة الأولى للسموات والأرض، وأنهما كانتا رتقا ففصلتا، وأبان أن الجبال أوتاد للأرض حتى لا تميد بأهلها، وأن اللّه تعالى خالق الليل والنهار والشمس والقمر، ثم تكون النهاية الموت والفناء لكل شيء، حتى للملائكة والأنبياء، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، وأوضح أن استعجال الكافرين العذاب غباء وطلب في غير محله فإن العذاب قريب، والساعة آتية لا ريب فيها، وأنها تأتيهم بغتة فتبهتهم، وأن موازين الحساب دقيقة وفي أتم عدل، فلا يبخس أحد شيئا من حقه، ولا يظلم إنسان مثقال حبة من خردل.
وتحقيقا لهاتيك الغايات وتأكيدا عليها، جاءت الأمثال الواقعية تنذر وتذكّر، من خلال إيراد قصص بعض الأنبياء كموسى وهارون، وإبراهيم ولوط، وإسحاق ويعقوب، ونوح، وداود وسليمان، وأيوب وإسماعيل، وإدريس وذي الكفل، ويونس وزكريا ويحيى، وعيسى عليهم السلام.


الصفحة التالية
Icon