وأثبت القرآن عقب ذلك وحدة مهام الأنبياء وهي الدعوة إلى عبادة اللّه، وتطمين المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالجزاء الحسن، وأن الأمم المعذبة في الدنيا سترجع حتما إلى اللّه في الدار الآخرة لعذاب آخر.
ومن علائم الساعة انفتاح سد يأجوج ومأجوج.
وفي القيامة عذاب شديد، وأهوال شديدة يلقاها الكفار، وأنهم مع أصنامهم حطب جهنم، وفيها تتبدل الأرض غير الأرض وتطوى السموات كطي الكتب، ويحظى الصالحون بالنعيم الأبدي، ويرث الأرض من هو أصلح لعمارتها.
وختمت السورة ببيان كون النبي - ﷺ - رحمة للعالمين، وأنه أوحي إليه بأن الإله واحد لا شريك له، وأنه يجب الانقياد لحكمه، وأنه ينذر الناس بعذاب قريب وأن مجيء الساعة واقع محتم، وأن الإمهال به وتأخير العقوبة امتحان واختبار، وأن اللّه يحكم بين النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم وبين أعدائه المشركين، وأنه المستعان على افتراءاتهم واتهاماتهم. (١)
سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، مكية عند الجميع، وهي مائة واثنتا عشرة آية، وسميت بذلك لذكر قصص الأنبياء فيها وهي كغيرها من السور المكية، تهدف إلى إثبات عقيدة الإسلام في نفوس المشركين فتراها تعرض لأقوالهم، وترد عليهم مهددة منذرة، وتلفت الأنظار للكون وما فيه حتى يستدل بذلك على خالقه، ثم تعرض لقصص بعض الأنبياء للعبرة والعظة، وهي في البدء والنهاية تصور بعض مشاهد يوم القيامة بأسلوب قوى مؤثر. (٢)
وجه اتصالها بما قبلها غني عن البيان، وهي سورة عظيمة فيها موعظة فخيمة فقد أخرج ابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ (٣)، " أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ، فَأَكْرَمَ عَامِرٌ مَثْوَاهُ وَكَلَّمَ فِيهِ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ -، فَجَاءَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ : إِنِّي اسْتَقْطَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - وَادِيًا مَا فِي الْعَرَبِ وَادٍ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَقْطَعَ لَكَ مِنْهُ قِطْعَةً تَكُونُ لَكَ وَلِعَقِبِكَ مِنْ بَعْدِكَ، قَالَ عَامِرٌ : لَا حَاجَةَ لِي فِي قَطِيعَتِكَ، نَزَلَتِ الْيَوْمَ سُورَةٌ أَذْهَلَتْنَا عَنِ الدُّنْيَا : اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ " (٤).
هذه السورة مكية وهي تعالج موضوع العقيدة الاسلامية في ميادينها الكبيرة (الرسالة، الوحدانية، البعث والجزاء) وتتحدث عن الساعة وشدائدها، والقيامة واهوالها، وعن قصص الانبياء المرسلين، صلوات الله
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٢ / ٥١٥)
(٣) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ (٦٠١ ) ضعيف
(٤) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (٩ / ٣)