وعلى كل حال، فإن أسلوب معظم آيات السورة ومضمونها يسوغان ترجيح صحّة رواية مكّيتها، مع احتمال أن تكون بعض آياتها مدنية. (١)
سورة الحج مدنية، وهي ثمان وسبعون آية.
تسميتها :
سميت سورة الحج لإعلان فريضة الحج فيها على الناس، على لسان إبراهيم الخليل عليه السلام : وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ بعد بناء البيت العتيق، فأذن، فبلغ صوته أنحاء الأرض، وأسمع النطف في الأصلاب والأجنة في الأرحام، وأجابوا النداء :«لبيك اللهم لبيك».
صلتها بما قبلها :
هناك تناسب وارتباط بين بداية هذه السورة، وخاتمة السورة السابقة، فقد ختم اللّه سورة الأنبياء ببيان اقتراب الساعة ووصف أهوالها في قوله :
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ، فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا وافتتح هذه السورة بقوله : إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ.
وفي السورة المتقدمة بيان قصص أكثر من عشرة من الأنبياء تدور على ما قاموا به من إثبات توحيد اللّه، ونبذ الشرك، والإيمان بالبعث، وفي هذه السورة استدلال بخلق الإنسان بأطواره المتعددة وبإبداع السموات والأرض على قدرة اللّه على إحياء البشر للبعث، وعلى وجوده تعالى ووحدانيته، ثم تنبيه الأفكار على الالتفات لأحوال أهل القرى الظالمة التي أهلكها اللّه، والاتعاظ بها بسبب تكذيبهم الرسل.
مشتملاتها :
بالرغم من أن هذه السورة مدنية تضمنت الكلام عن فرضية الحج ومناسكه، وعن مشروعية القتال ومقومات النصر، فإنها تحدثت عن أمور مشابهة لموضوعات السور المكية من الإيمان باللّه عزّ وجلّ وتوحيده، والبعث والاستدلال عليه، والجزاء على الأعمال.
افتتحت السورة بما يهز المشاعر، وينشر الرعب والخوف من أهوال الساعة، وشدائد يوم القيامة.
ثم انتقلت إلى بيان أدلة البعث، وإتيان القيامة، وبيان بعض مشاهدها من جعل الأبرار في دار النعيم، وزجّ الكفار في نار الجحيم، وإعلان خسارة المنافقين المضطربين الذين لا يعرف لهم قرار ولا اتجاه. ثم أبانت حرمة المسجد الحرام، وفرضية الحج ومنافعه، وحرماته وشعائره، ومناسكه وذبائحه، وأردفت ذلك بالحديث المقنع عن أسباب فرضية القتال، ومقومات النصر على الأعداء، مع تسلية الرسول - ﷺ -