١٢ - وهكذا نرى سورة « المؤمنون » قد طوفت بنا في آفاق من شأنها أن تغرس الإيمان في القلوب، وأن تهدى النفوس إلى ما يسعدها في دينها ودنياها. (١)
في السورة تنويه بصفات المؤمنين ومصيرهم السعيد. وتوكيد بالبعث، وتذكير بقدرة اللّه في خلق الإنسان والأكوان وما فيها من منافع وحقه في الشكر والإخلاص. وسلسلة قصص بعض الأنبياء ومواقف أقوامهم منهم في صدد التمثيل والإنذار للكفار وتثبيت النبي - ﷺ - والمؤمنين وتطمينهم. وحملة على الكفار لاغترارهم بما يتمتعون به في الدنيا. وتبكيت لهم على وقوفهم من النبي - ﷺ - موقف العناد والاتهام مع معرفتهم له ومع ما في مهمته من الخير المحض لهم المجرّد عن كل غرض. وحكاية لبعض أقوالهم في إنكار البعث وردود قوية عليهم من مشاهد قدرة اللّه وملكوته واعترافهم بذلك. وتصوير مصائر المؤمنين والكفار الأخروية بما فيه التطمين والبشرى للأولين والرعب والهول للآخرين.
وفصول السورة مترابطة وآياتها متوازنة. وهذا يبرر القول أنها نزلت متتابعة. (٢)
سورة المؤمنون مكية، وهي مائة وثمان عشرة آية.
تسميتها وفضلها :
سميت سورة المؤمنون لافتتاحها بقول اللّه تعالى : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ثم ذكر أوصاف المؤمنين السبعة وجزاءهم العظيم في الآخرة وهو ميراث الفردوس.
روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي والحاكم عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، يُسْمَعُ عِنْدَهُ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، فَمَكَثْنَا سَاعَةً، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ :" اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلَا تَنْقُصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا، وَلَا تُخْزِنَا، وَآثِرْنَا وَلَا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا، وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا ". ثُمَّ قَالَ :" لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ عَشْرُ آيَاتٍ مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ، ثُمَّ قَرَأَ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ " (٣)..
وروى النسائي في تفسيره عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ بَابَنُوسَ، قَالَ : قُلْنَا لِعَائِشَةَ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - ؟، قَالَتْ :" كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ الْقُرْآنُ "، فَقَرَأَتْ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى انْتَهَتْ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، قَالَتْ :" هَكَذَا كَانَ خُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - " (٤)
مناسبة السورة لما قبلها :
(٢) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٥ / ٣٠٠)
(٣) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي (١٤١٩) فيه راو مختلف فيه هل هو مجهول أم ثقة ؟
(٤) - السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِي (٩٩٧٦) صحيح