وأن القرآن مهيمن على الكتب السابقة. ثم موادعة المشركين وإنباؤهم بأن شأن الرسول الاستمرار على إبلاغ القرآن وإنذارهم بأن آيات الصدق سيشاهدونها والله مطلع على أعمالهم.
قال ابن الفرس ليس في هذه السورة إحكام ولا نسخ. ونفيه أن يكون فيها إحكام ولا نسخ معناه أنها لم تشتمل على تشريع قار ولا على تشريع منسوخ. وقال القرطبي في تفسير آية ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ﴾ [النمل: ٩١ - ٩٢] الآية نسختها آية القتال اهـ، يعني الآية النازلة بالقتال في سورة البراءة. وتسمى آية السيف، والقرطبي معاصر لابن الفرس إلا أنه كان بمصر وابن الفرس بالأندلس، وقوله ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً﴾ ويؤخذ منهما حكمان كما سيأتي. (١)
مناسبتها لما قبلها
كانت الآيات التي ختمت بها سورة الشعراء، دفاعا عن القرآن الكريم، من أن يكون من واردات الشعر، كما كانت دفاعا عن النبيّ، أن يكون من زمرة الشعراء.. فمعدن القرآن، غير هذا المعدن الذي يصاغ منه الشعر، ونسيج القرآن، غير نسيج الشعر.. نظما ومعنى.. والنبيّ على طبيعة تخالف كل المخالفة طبيعة الشعراء.. قولا وفعلا.. سلوكا وخلقا!.
وكان بدء سورة « النّمل ».. حديثا عن هذا القرآن، الذي هو منقطع عن كل سبيل يصله بالشعر، حيث أنه هدى وبشرى للمؤمنين الذين يؤمنون به، يتعاملون بأحكامه وآدابه، على حين أن الشعر يقوم عموده على غير هذا الطريق الجادّ المستقيم.. كما كان هذا البدء حديثا عن النبيّ، بأنه بمعزل عن الموارد التي يردها الشعراء، ويملئون دلاءهم منها.. إنهم يأخذون ما توحيه إليهم شياطينهم، على حين أن النبيّ ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ يتلقى هذا القرآن وحيا من لدن حكيم عليم.. « وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ».
فالمناسبة بين بدء سورة النمل، وختام سورة الشعراء، ظاهرة، والالتحام بينهما. قويّ، كما ترى. (٢)
مقدمة وتمهيد
١ - سورة النمل، من السور المكية : وهي السورة السابعة والعشرون في ترتيب المصحف، وكان نزولها بعد سورة الشعراء.
قال القرطبي : سورة النمل، مكية كلها في قول الجميع.
٢ - وسميت بسورة النمل، لقوله - تعالى - : حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ.

(١) - التحرير والتنوير لابن عاشور - (١٩ / ٢١٦)
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٠ / ٢٠٥)


الصفحة التالية
Icon