٩ - ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بالحديث عن علامات الساعة وأهوالها، وعن عاقبة المؤمنين، وعاقبة الكافرين، وعن المنهج الذي اتبعه الرسول - ﷺ - وأمر غيره باتباعه، فقال - تعالى - : إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها، وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ. وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها، وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
١٠ - وبعد : فهذا عرض مجمل لسورة النمل. ومنه نرى أن السورة الكريمة زاخرة بالحديث عن أدلة وحدانية اللّه - تعالى - وقدرته، وعن مظاهر فضله - تعالى - على عباده.
وعن علمه - سبحانه - المحيط بكل شيء، وعن آياته الكونية التي يكشف منها للناس ما يشاء كشفه وبيانه.
كما نرى أن السورة الكريمة قد اشتمل القصص على جانب كبير منها، خصوصا قصص بعض أنبياء بنى إسرائيل، فقد حدثتنا عن جانب من قصة موسى، وداود، وسليمان. ثم بينت أن على بنى إسرائيل المعاصرين للنبي - ﷺ - أن يعودوا إلى القرآن، ليعرفوا منه الأمر الحق في كل ما اختلفوا فيه، قال - تعالى - : إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.
كما نراها تجمع في توجيهاتها وإرشاداتها بين الترغيب والترهيب، وبين التذكير بنعم اللّه التي نشاهدها في هذا الكون، وبين التحذير من أهوال يوم القيامة، وتختم بهذه الآية الجامعة : وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها، وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. (١)
في السورة حملة تقريع على الكفار وحكاية لبعض مواقفهم وأقوالهم وخاصة في صدد الآخرة وحسابها وجزائها. وفيها قصص بعض الأنبياء وأقوالهم، منها ما أسهب فيه وهو قصة ما كان بين سليمان عليه السلام وملكة سبأ بقصد الموعظة.
وفيها تقريرات عن مظاهر قدرة اللّه تعالى ورحمته بسبيل البرهنة على ربوبيته وتسفيه المشركين وتقريعهم. وفيها صورة من الدعوة النبوية في العهد المكي وتثبيت وتطمين للنبي - ﷺ - والمسلمين.
وهي مشابهة في المطلع والنهاية والفصول القصصية الاستطرادية للسورة السابقة مما يمكن أن يكون فيه قرينة على صحة الترتيب. وفصولها مترابطة مما يسوغ القول إنها نزلت متلاحقة حتى تمت. (٢)
سورة النمل مكية، وهي ثلاث وتسعون آية.

(١) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٠ / ٢٩٥)
(٢) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٣ / ٢٧٩)


الصفحة التالية
Icon