أجملت ما بعد ذلك لأن تفصيله في سورة الأعراف وفي سورة الشعراء. والمقصود من التفصيل ما يتضمنه من زيادة المواعظ والعبر.
وإذ قد كان سوق تلك القصة إنما هو للعبرة والموعظة ليعلم المشركون سنة الله في بعثة الرسل ومعاملته الأمم المكذبة لرسلها.
وتحدى المشركين بعلم النبي - ﷺ - بذلك وهو أمي لم يقرأ ولم يكتب ولا خالط أهل الكتاب، ذيل الله ذلك بتنبيه المشركين إليه وتحذيرهم من سوء عاقبة الشرك وأنذرهم إنذارا بليغا.
وفند قولهم ﴿لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ [القصص: ٤٨] من الخوارق كقلب العصا حية ثم انتقاضهم في قولهم إذ كذبوا موسى أيضا.
وتحداهم بإعجاز القرآن وهديه مع هدي التوراة.
وأبطل معاذيرهم ثم أنذرهم بما حل بالأمم المكذبة رسل الله.
وساق لهم أدلة على وحدانية الله تعالى وفيها كلها نعم عليهم وذكرهم بما سيحل بهم يوم الجزاء.
وأنحى عليهم في اعتزازهم على المسلمين بقوتهم ونعمتهم ومالهم بأن ذلك متاع الدنيا وأن ما ادخر للمسلمين عند الله خير وأبقى.
وأعقبه بضرب المثل لهم بحال قارون في قوم موسى. وتخلص من ذلك إلى التذكير بأن أمثال أولئك لا يحظون بنعيم الآخرة وأن العاقبة للمتقين.
وتخلل ذلك إيماء إلى اقتراب مهاجرة المسلمين إلى المدينة، وإيماء إلى أن الله مظهرهم على المشركين بقوله: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: ٥] الآية.
وختم الكلام بتسلية الرسول - ﷺ - وتثبيته ووعده بأنه يجعل بلده في قبضته ويمكنه من نواصي الضالين.
ويقرب عندي أن يكون المسلمون ودوا أن تفصل لهم قصة رسالة موسى عليه السلام فكان المقصود انتفاعهم بما في تفاصيله من معرفة نافعة لهم تنظيرا لحالهم وحال أعدائهم. فالمقصود ابتداء هم المسلمون ولذلك قال تعالى في أولها ﴿نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [القصص: ٣] أي للمؤمنين. (١)
مناسبة السورة لما قبلها
جاء في سورة الشعراء، ثم في سورة النمل، السابقتين على هذه السورة ـ حديث موجز عن موسى وفرعون.. فقد جاء فى « الشعراء » قول فرعون لموسى :« أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ

(١) - التحرير والتنوير لابن عاشور - (٢٠ / ٥)


الصفحة التالية
Icon