سميت سورة (القصص) لما فيها من البيان العجيب لقصة موسى عليه السلام من حين ولادته إلى حين رسالته، التي يتضح فيها أحداث جسام، برز فيها لطف اللّه بالمؤمنين وخذلانه الكافرين. ثم ذكر فيها قصة قارون من قوم موسى المشابهة للقصة الأولى في تقويض أركان الطغيان، طغيان السلطة عند فرعون، وطغيان المال عند قارون.
مناسبتها لما قبلها :
تظهر مناسبة هذه السورة لسورتي النمل والشعراء في أنها تفصيل لما أوجز فيهما من قصة موسى عليه السلام، مبتدئا ببيان استعلاء فرعون وظلمه، وذبحه أبناء بني إسرائيل الموجب لإلقاء موسى عند ولادته في اليم، خوفا عليه من الذبح، ثم انتشال فرعون له وتربيته في قصره عنده إلى سن الشباب، حيث حدثت حادثة قتله القبطي، التي استوجبت فراره من مصر إلى مدين، وزواجه بابنة شعيب عليه السلام، ثم مناجاته ربه وبعثه إياه رسولا، وما تبع ذلك.
كذلك فصلت هذه السورة موقف القرآن من توبيخ المشركين على إنكارهم يوم القيامة، من خلال الإخبار بإهلاك الكثيرين من أهل القرى بسبب ظلمهم، والتساؤل عن شركاء اللّه يوم القيامة وما يدور بينهم وبين عبدتهم من نقاش انتهى بتبرئهم من عبادتهم، وإيراد الأدلة المتضافرة لإثبات قدرة اللّه على الخلق والإيجاد والبعث والإعدام.
كما أن هناك ربطا من وجه آخر بين سورتي النمل والقصص، فقد أوجز هنا ما فصّل في السورة المتقدمة من إهلاك قوم صالح وقوم لوط، ومن بيان مصير من جاء بالحسنة ومن جاء بالسيئة.
ما اشتملت عليه السورة :
تلتقي هذه السورة مع ما سبقها من سورتي الشعراء والنمل في بيان أصول العقيدة : التوحيد والرسالة والبعث في ثنايا قصص الأنبياء، وإيضاح الأدلة المثبتة لهذه الأصول في قضايا الكون وعجائبه البديعة ونظمه الفريدة.
وكان الطابع الغالب على هذه السورة تبيان قصة موسى مع فرعون التي تمثل الصراع بين طغيان القوي وضعف الضعيف، لكن الأول على الباطل والثاني على الحق، وأعوان الباطل هم جند الشيطان وأعوان الحق هم جند الرحمن.
كان فرعون معتمدا على سلطانه وقوته وثروته، فطغى وبغى، واستعبد شعب بني إسرائيل، وزاد في غلوه أنه ذبح الأبناء، واستحيا النساء، وادعى الربوبية ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي [القصص ٢٨/ ٣٨] وأفسد في الأرض.


الصفحة التالية
Icon