ثم إنه تعالى لما قال في آخر السورة المتقدمة : كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ وأعقبه بما يبطل قول منكري الحشر : لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ رد في مطلع هذه السورة على منكري الحشر القائلين : لا فائدة في التكاليف إذ لا مرجع بعد الهلاك والزوال، ومضمون الرد أن للتكليف فائدة وهي أن يثيب اللّه الشكور ويعذب الكفور.
مشتملات السورة :
اشتملت هذه السورة على ما يأتي :
١ - إعلان اختبار المؤمنين على الشدائد والمحن في الدنيا، وبيان فائدة جهاد النفس، ومعرفة مدى صلابة الإيمان وقت الشدة، فالمؤمن هو المجاهد الصابر الذي لا يلين أمام الأحداث الجسام، ويظل ثابت العهد كالطود الشامخ دون أن يتزحزح عن إيمانه وعقيدته، وأما مهتز الإيمان أو المنافق، فيظهر الإيمان أحيانا، ولكنه لا يتحمل الأذى في سبيل اللّه : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ :
آمَنَّا بِاللَّهِ، فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ | وحينئذ يعلم اللّه المؤمنين علم انكشاف وإظهار كما يعلم المنافقين، لكنه سبحانه عالم بذلك سلفا. |
فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا.. الآية [٤٠].
٣ - محاجة المشركين بضرب الأمثال لهم تقريعا وتوبيخا، ومحاجة أهل الكتاب بالحسنى واللين والحكمة.
٤ - إثبات نبوة محمد - ﷺ - بمعجزة إنزال القرآن عليه علما بأنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، وتفنيد بعض شبهات المشركين في نبوته، واستعجالهم العذاب المحقق نزوله بهم.
٥ - الإذن للمؤمنين بالهجرة من ديارهم فرارا بدينهم من الفتن، وترغيبهم بالصبر، وإبعاد خوف الموت عن نفوسهم فإن الموت محقق في كل مكان وزمان، وتبشيرهم بالعاقبة الحسنة إذا عملوا الصالحات، وزهدوا في الدنيا لأن الدار الآخرة هي دار الحياة الباقية الحقة.
٦ - اعتراف المشركين بأن اللّه هو خالق السموات والأرض وأنه هو الرازق، وأنه كاشف الضر والمنجي من المخاطر، وذلك يتضمن الحديث عن الأدلة والبراهين على القدرة والوحدانية في هذا الكون الفسيح.