صلتها بما قبلها أو مناسبتها لما قبلها :
تظهر صلة هذه السورة بسورة الروم قبلها من وجوه :
١ - قال تعالى في آخر السورة السابقة : وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ إشارة إلى كون القرآن معجزة، وقال في مطلع هذه السورة : تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ، هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ.
٢ - كذلك قال سبحانه في آخر السورة المتقدمة : وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ إشارة إلى أن المشركين يكفرون بالآيات، وقال في هذه السورة : وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً [٧].
٣ - وصف اللّه تعالى قدرته على بدء الخلق والبعث في كلتا السورتين، فقال في السورة السالفة : وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [٢٧] وقال هنا : ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ [٢٨].
٤ - أثبت اللّه تعالى في كلتا السورتين إيمان المؤمنين بالبعث، فقال في السورة السابقة : وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ : لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ، فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ [٥٦] وهذا عين إيقانهم بالآخرة المذكور في مطلع هذه السورة : وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ.
٥ - حكى اللّه تعالى في السورتين ما عليه حال المشركين من القلق والاضطراب، إذ يضرعون إلى اللّه في وقت الشدة، ويكفرون به وقت الرخاء، فقال في السورة المتقدمة : وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ...[٣٣] وقال في هذه السورة : وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ... [٣٢].
٦ - ذكر في سورة الروم : فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ [١٥] وقد فسر بالسماع، وفي لقمان : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [٦] وقد فسر بالغناء وآلات الملاهي.
٧ - قابل تعالى بين السورتين، فذكر في سورة الروم مدى اعتزاز المشركين بأموالهم ورفضهم إشراك غيرهم فيها، وذكر هنا قصة لقمان الحكيم العبد الصالح الذي أوصى ابنه بالتواضع وترك التكبر، كما ذكر في الأولى محاربة الروم والفرس في معركتين عظيمتين، وذكر في السورة الثانية في قصة لقمان الأمر بالصبر والمسالمة وترك المحاربة.
مشتملات السورة :
اشتملت هذه السورة على الموضوعات التالية : فبدأت ببيان معجزة النبي الخالدة وهي القرآن دستور الهداية الربانية، وموقف الناس منه، ففريق المؤمنين يصدّقون بكل ما جاء فيه، فيظفرون بالجنان، وفريق الكافرين الساخرين الهازئين الذي يعرضون عما فيه من الآيات، ويضلون عن سبيل اللّه جهلا وسفها، فيتلقون العذاب الأليم.