ثم تحدثت عن أدلة الوحدانية والقدرة الباهرة للّه ربّ العالمين من خلق العالم والكون، وتلا ذلك بيان قصة لقمان الحكيم ووصاياه الخالدة لابنه، تعليما للناس وإرشادا لهم، وعلى رأسها نبذ الشرك، وبر الوالدين، ورقابة اللّه على كل صغيرة وكبيرة، وإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتواضع واجتناب الكبر، ومشي الهوينى، وإخفاض الصوت.
وأردف ذلك توبيخ المشركين على إصرارهم على الشرك مع مشاهدتهم أدلة التوحيد، والنعي عليهم في تقليدهم الآباء، وجحودهم نعم اللّه الكثيرة التي لا حصر لها، وإعلامهم أن طريق النجاة هو إسلام النفس للّه والإحسان بالعمل الصالح، وبيان تناقضهم حين يقرّون بأن اللّه هو خالق كل شيء ثم يعبدون معه غيره، مع أن اللّه هو مالك السموات والأرض والمنعم بجلائل النعم، وعلمه محيط بكل شيء، وأن خلق جميع البشر وبعثهم كخلق نفس واحدة وبعثها، فهو المدبر والمصرف الذي لا يعجزه شيء، وأنهم يتضرعون إليه وقت الشدة ويشركون به وقت الرخاء.
ثم أضافت السورة أدلة أخرى على القدرة الإلهية من إيلاج الليل في النهار وبالعكس، وتسخير الشمس والقمر، وتسيير السفن في البحار وغير ذلك.
وختمت السورة ببيان الأمر بالتقوى والخوف من عذاب يوم القيامة الذي لا بد من إتيانه، ولا أمل فيه بنصرة أحد، وعدم الاغترار بمتاع الدنيا وزخارفها، والتنبيه على مفاتيح الغيب الخمسة التي اختص اللّه بعلمها، وأن اللّه محيط علمه بالكائنات جميعها، خبير بكل ما يجري فيها. (١)
وهي مكية كلها غير آيتين هما : وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ.. الآية ٢٧، ٢٨. وهي أربع وثلاثون آية، هدفها إثبات البعث والوحدانية، وصدق الرسل في رسالتهم. (٢)
أخرج ابن الضريس، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما أنه قال : أنزلت سورة لقمان بمكة، ولا استثناء في هذه الرواية. وفي رواية النحاس في تاريخه عنه استثناء ثلاث آيات منها وهي وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ [لقمان : ٢٧] إلى تمام الثلاث فإنها نزلن بالمدينة، وذلك
أنه صلى اللّه تعالى عليه وسلم لما هاجر قال له أحبار اليهود : بلغنا أنك تقول : وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء : ٨٥] أعنيتنا أم قومك؟ قال : كلّا عنيت فقالوا : إنك تعلم أننا أوتينا التوراة وفيها بيان كل شيء فقال عليه الصلاة والسلام : ذلك في علم اللّه تعالى قليل فأنزل الآيات.
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٤١)