الذين شذوا على أن القرآن هو الذي في المصحف وأجمعوا في عدد آيات القرآن على عدد قريب بعضه من بعض كما تقدم في المقدمة الثامنة.
وأما الخبر عن عائشة فهو أضعف سندا وأقرب تأويلا فإن صح عنها، ولا إخاله، فقد تحدثت عن شيء نسخ من القرآن كان في سورة الأحزاب. وليس بعد إجماع أصحاب رسول الله - ﷺ - على مصحف عثمان مطلب لطالب.
ولم يكن تعويلهم في مقدار القرآن وسوره إلا على حفظ الحفاظ. وقد افتقد زيد ابن ثابت آية من سورة الأحزاب لم يجدها فيما دفع إليه من صحف القرآن فلم يزل يسأل عنها حتى وجدها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري وقد كان يسمع رسول الله يقرؤها، فلما وجدها مع خزيمة لم يشك في لفظها الذي كان عرفه. وهي آية ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ إلى قوله: ﴿تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب: ٢٣]. وافتقد الآيتين من آخر سورة براءة فوجدهما عند أبي خزيمة بن أوس -المشتهر بكنيته-.
وبعد فخبر أبي بن كعب خبر غريب لم يؤثر عن أحد من أصحاب رسول الله فنوقن بأنه دخله وهم من بعض رواته. وهو أيضا خبر آحاد لا ينتقض به إجماع الأمة على المقدار الموجود من هذه السورة متواترا. وفي "الكشاف" : وأما ما يحكى أن تلك الزيادة التي رويت عن عائشة كانت مكتوبة في صحيفة في بيت عائشة فأكلتها الداجن، أي الشاة، فمن تأليفات الملاحدة والروافض ا هـ.
ووضع هذا الخبر ظاهر مكشوف فإنه لو صدق هذا لكانت هذه الصحيفة قد هلكت في زمن النبي - ﷺ - أو بعده والصحابة متوافرون وحفاظ القرآن كثيرون فلو تلفت هذه الصحيفة لم يتلف ما فيها من صدور الحفاظ. وكون القرآن قد تلاشى منه كثير هو أصل من أصول الروافض ليطعنوا به في الخلفاء الثلاثة، والرافضة يزعمون أن القرآن مستودع عند الإمام المنتظر فهو الذي يأتي بالقرآن وقر بعير. وقد استوعب قولهم واستوفى إبطاله أبو بكر بن العربي في كتاب "العواصم من القواصم".
أغراض هذه السورة
لكثير من آيات هذه السورة أسباب لنزولها، وأكثرها نزل للرد على المنافقين أقوالا قصدوا بها أذى النبي - ﷺ -.
وأهم أغراضها: الرد عليهم قولهم لما تزوج النبي - ﷺ - زينب بنت جحش بعد أن طلقها زيد بن حارثة فقالوا: تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عن ذلك فأنزل الله تعالى إبطال التبني. وأن الحق في أحكام الله لأنه الخبير بالأعمال وهو الذي يقول الحق. وأن ولاية النبي - ﷺ - للمؤمنين أقوى ولاية، ولأزواجه حرمة الأمهات لهم، وتلك ولاية من جعل الله فهي أقوى وأشد من ولاية الأرحام. وتحريض المؤمنين على التمسك بما شرع الله لهم لأنه أخذ العهد بذلك على جميع النبي ين. والاعتبار بما أظهره الله من عنايته


الصفحة التالية
Icon