القرآن بعد دور الدعوة :
وإلى هنا كان الرسول، قد تلقى القرآن الكريم كله من ربه، وحفظه فى قلبه، كما حفظه كثير من المسلمين معه، كما كان كتّاب الوحى قد استكملوا كتابته.
والسؤال هنا : على أية صورة كان القرآن عند آخر آية نزلت ؟ وهل كان على ترتيب النزول، أم على هذا الترتيب الذي هو عليه الآن ؟.
والجواب على هذا :
أولا : من المقطوع به أن القرآن عند ما نزلت آخر آية منه لم يكن على هذا الترتيب الذي هو عليه الآن، كما أنه لم يكن على ترتيب النزول.. وذلك أن الرسول ـ بوحي من ربّه ـ كان خلال العشرين سنة أو تزيد، التي نزل فيها القرآن، يرتب الآيات، فيضع ـ بوحي من ربّه ـ آيات مدنية في سور مكية، كما يضع آيات مكية في سور مدنية.. فكانت عملية النقل هذه تغيّر من صورة السّور، طولا وقصرا، فينقل من هذه السورة آيات إلى تلك، ومن تلك إلى أخرى، وهكذا في اتصال دائم بدوام نزول القرآن.
وثانيا : بعد أن تم « نزول القرآن »، ولم تعد ثمة آيات أخرى يوحى بها، كان عمل الوحى، مع النبىّ صلوات اللّه وسلامه عليه، هو ترتيب القرآن على هذا الترتيب الذي أراده اللّه سبحانه وتعالى عليه، وهو ما نجده بين دفتى المصحف، كما تركه الرسول، بعد تلك العرضة أو العرضتين أو الثلاث، التي كانت بين جبريل وبين النبىّ.
وثالثا : لم يترك النبي - ﷺ - ـ هذه الدنيا، ويلحق بالرفيق الأعلى، حتى كان صحابة رسول اللّه، وحتى كان كتّاب الوحى، قد أخذوا الصورة الكاملة، فى تحديد دقيق، للقرآن الكريم، وعرفوا مكان كل آية من سورتها، ومبدأ كل سورة وختامها، وما بين بدئها وختامها..
ومن الموافقات العجيبة، التي نعدّها نفحة من نفحات القرآن الكريم، أننا نعرض لهذا البحث ـ من غير تدبير ـ فى سورة الأحزاب.. ففى سورة الأحزاب هذه مقولات تقال، وروايات تروى.. ففى مسند أحمد عن رزين بن حبيش، قال : قال لى أبىّ بن كعب كائن (أي كم) تقرأ سورة الأحزاب، أو كائن (أي كم) تعدّها ؟ قلت : ثلاثا وسبعين آية... فقال (أي أبىّ) : لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة.. ولقد قرأنا فيها :« الشيخ والشيخة إذا زنيا فاجلدوهما البتة نكالا من اللّه واللّه عزيز حكيم » فرفع فيما رفع..!!
ولقد بنى على هذه الرواية أن قرآنا كثيرا نسخ تلاوة، وأن قرآنا آخر نسخ تلاوة ولم ينسخ حكما، كهذه التي يقال إنها كانت آية قرآنية :« الشيخ والشيخة ».