وسلى الله رسوله - ﷺ - أن لا يحزنه قولهم وأن لهم بالله أسوة إذ خلقهم فعطلوا قدرته عن إيجادهم مرة ثانية ولكنهم راجعون إليه.
فقامت السورة على تقرير أمهات أصول الدين على أبلغ وجه وأتمه من إثبات الرسالة، ومعجزة القرآن، وما يعتبر في صفات الأنبياء وإثبات القدر، وعلم الله، الحشر، والتوحيد، وشكر المنعم، وهذه أصول الطاعة بالاعتقاد والعمل، ومنها تتفرع الشريعة. وإثبات الجزاء على الخير والشر مع إدماج الأدلة من الآفاق والأنفس بتفنن عجيب، فكانت هذه السورة جديرة بأن تسمى "قلب القرآن" لأن من تقاسيمها تتشعب شرايين القرآن كله، وإلى وتينها ينصب مجراها.
قال الغزالي: إن ذلك لأن الإيمان صحته باعتراف بالحشر، والحشر مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه، كما سميت الفاتحة أم القرآن إذ كانت جامعة لأصول التدبر في أفانيه كما تكون أم الرأس ملاك التدبر في أمور الجسد. (١)
مناسبتها لما قبلها
جاء فى الآيات التي ختمت بها سورة « فاطر » السابقة قوله تعالى :« وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ، فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً » ثم جاءت الآيات الثلاث التي تلت هذه الآية والتي ختمت بها السورة ـ تعقيبا على تلك الآية، وبيانا لموقف المشركين من هذا القسم الذي أقسموه..
وقد بدئت سورة « يس » بالقسم بالقرآن الكريم، الذي جاءهم النبىّ الكريم به، ثم وقوع هذا القسم على الإخبار بأن محمدا هو رسول اللّه، وأنه على صراط مستقيم، وأن تكذيب المشركين له، ورفضهم لدعوته، لم يكن إلا عن ضلال وعمى، وإلا عن استكبار وحسد.. لقد كانوا يتمنون أن يبعث اللّه فيهم رسولا، وأن يأتيهم بكتاب، مثل كتب أهل الكتاب، وها هو ذا الرسول، والكتاب.. فماذا هم فاعلون ؟ ستكشف الأيام عن جواب هذا السؤال.. (٢)
١ - سورة « يس » من السور التي يحفظها كثير من الناس، لاشتهارها فيما بينهم، وهي السورة السادسة والثلاثون في ترتيب المصحف، وكان نزولها بعد سورة « الجن ».

(١) - التحرير والتنوير لابن عاشور - (٢٢ / ١٩١)
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١١ / ٩٠٤)


الصفحة التالية
Icon