١ - وجود الشبه بين أول هذه السورة وآخر يس السورة المتقدمة في بيان قدرته تعالى الشاملة لكل شيء في السموات والأرض، ومنه المعاد وإحياء الموتى، لأن اللّه تعالى كما في يس هو المنشئ السريع الإنجاز للأشياء، ولأنه كما في مطلع هذه السورة واحد لا شريك له، لأن سرعة الإنجاز لا تتهيأ إلا إذا كان الخالق الموجد واحدا.
٢ - هذه السورة بعد يس كالأعراف بعد الأنعام، وكالشعراء بعد الفرقان في تفصيل أحوال القرون الماضية، المشار إليهم وإلى إهلاكهم في سورة يس المتقدمة في قوله سبحانه : أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ [٣١].
٣ - توضح هذه السورة ما أجمل في السورة السابقة من أحوال المؤمنين وأحوال الكافرين في الدنيا والآخرة.
مشتملاتها :
موضوع هذه السورة كسائر السّور المكية في بيان أصول الاعتقاد : وهي التوحيد، والوحي والنبوة، وإثبات البعث والجزاء.
وقد تحدثت عن مغيبات ثلاثة : هي الملائكة، والجنّ، والبعث والجزاء في الآخرة، فابتدأت بالكلام عن الملائكة الصّافات قوائمها أو أجنحتها في السماء استعدادا لتنفيذ أمر اللّه، والزّاجرات السّحاب لتصريفه كيفما يشاء اللّه، والذين أقسم اللّه بهم للدلالة على التوحيد وخلق السموات والأرض، وتزيينها بالكواكب.
ثم أشارت إلى الجنّ ومطاردتهم بالشّهب الثاقبة المرصودة لهذا الغرض، للرّدّ على المشركين الجاهليين الذين زعموا وجود نسب وقرابة بين اللّه تعالى وبين الجنّ، وأبانت موقف المشركين من البعث وإنكاره وأحوالهم في الدنيا والآخرة، وردت عليهم ردّا قاطعا حاسما بأنهم محشورون في زجرة صيحة واحدة وهم داخرون أذلة صاغرون وأنهم لا يفتنون إلا ذوي العقول الضعيفة، وتوبيخهم على قولهم : الملائكة بنات اللّه، وتنزيه اللّه عن ذلك.
وأبانت هذه السورة أيضا سوء أحوال الكافرين في القيامة، وذكرتهم بالحوار الذي دار بينهم وبين المؤمنين في الدنيا، ثم حسمت الأمر ببيان مآل كل من الفريقين، حيث يخلد المؤمنون في الجنة التي وصف نعيمها، ويخلد الكافرون في النار التي وصف جحيمها، للعبرة والعظة وبيان العاقبة.
وناسب هذا الاستعراض التذكير الموجز بقصص بعض الأنبياء السابقين، وهم نوح، وإبراهيم، وإسماعيل، وموسى، وهارون، وإلياس، ولوط، ويونس عليهم السلام. ولكنها فصّلت قصة إبراهيم في موقفين حاسمين : أولهما - تحطيمه الأوثان. وثانيهما - إقدامه على ذبح ابنه، ليتجلى للناس جميعا