قال - تعالى - : وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ. قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ. فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ. وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ.
٦ - ثم مدح - سبحانه - نبيه أيوب - عليه السلام - على صبره، وعلى كثرة تضرعه إلى ربه، وكيف أنه - تعالى - قد كافأه على ذلك بما يستحقه. قال - تعالى - : وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ، ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ. وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ، وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ، إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً، نِعْمَ الْعَبْدُ، إِنَّهُ أَوَّابٌ.
٧ - ثم أثنى - سبحانه - على أنبيائه : إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وإسماعيل واليسع وذا الكفل، وبين ما أعده لهم ولأمثالهم من عباده الأخيار، كما بين ما توعد به الفجار من عذاب أليم.. قال - تعالى - : هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ. جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ. مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ. وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ. هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ. إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ. هذا، وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ.
٨ - ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بالحديث عن قصة آدم وإبليس وكيف أن الملائكة جميعا سجدوا لآدم إلا إبليس فإنه أبى واستكبر وقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. فكانت عاقبته الطرد من رحمة اللّه - تعالى -.
٩ - ومن هذا العرض المجمل لسورة « ص » نرى أنها قد اهتمت اهتماما واضحا، بإقامة الأدلة على وحدانية اللّه - تعالى - وقدرته. وعلى صدق النبي - ﷺ - فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن يوم القيامة حق، كما اهتمت بحكاية شبهات المشركين ثم الرد عليها، كما ذكرت جانبا من قصص بعض الأنبياء ليعتبر بقصصهم كل ذي عقل سليم، كما أنها قد اهتمت ببيان حسن عاقبة الأخيار وسوء عاقبة الأشرار، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة. (١)
في السورة حكاية لمواقف الكفار ومعارضتهم للنبي - ﷺ -، وحمله عليهم.
وتذكير لهم بأمثالهم. وفيها سلسلة متعددة الحلقات في قصص الأنبياء دون أقوامهم في معرض التسلية والتذكير والتنويه. وفيها قصة آدم والملائكة وإبليس.
وقد تخللها مواعظ وتلقينات بليغة وتقريرات عن مهمة النبي عليه السلام وعموم رسالته.

(١) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم-موافق للمطبوع - (١٢ / ١٢٥)


الصفحة التالية
Icon