*وانتقلت السورة لتضرب الأمثال لكفار مكة بمن سبقهم من الطغاة المتجبرين، الذين أسرفوا بالتكذيب والضلال، وما حل بهم من العذاب والنكال، بسبب إفسادهم وإجرامهم [ كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد ] الآيات.
* ثم تناولت قصص بعض الرسل الكرام، تسلية للنبي عليه الصلاة والسلام، عما يلقاه من كفار مكة من الاستهزاء والتكذيب، وتخفيفا لآلامه وأحزانه، فذكرت قصة نبي الله (داود)، وولده (سليمان )، الذي جمع الله له بين النبوة والملك، وما نال كلا منهما من الفتنة والابتلاء، ثم أعقبتها بذكر فتنة (أيوب، وإسحاق ويعقوب، وإسماعيل وذا الكفل )، هكذا في عرض سريع لبيان سنة الله، في إبتلاء أنبيائه وأصفيائه [ اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب.. ] الآيات.
*وأشارت السورة الكريمة إلي دلائل القدرة والوحدانية، في هذا الكون المنظور وما فيه من بدائع الصنعة، للتنبيه على أن هذا الكون لم يخلق عبثا، وأنه لابد من دار ثانية يجازي فيها المحسن والمسيء [ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.. ] الآيات.
* وختمت السورة الكريمة ببيان وظيفة الرسول ومهمته الأساسية التي هي مهمة جميع الرسل الكرام [ قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار. رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار.. ] الآيات.
التسمية : تسمى السورة الكريمة " سورة ص " وهو حرف من حروف الهجاء للإشادة بالكتاب المعجز الذي تحدى الله به الأولين والآخرين، وهو المنظوم من أمثال هذه الحروف الهجائية. (١)
المقصود منها بيان ما ذكر في آخر الصافات من أن جند الله هم الغالبون - وإن رئي أنهم ضعفاء، وإن تأخر نصرهم - غلبة آخرها سلامة للفريقين، لأنه سبحانه واحد لكونه محيطا بصفات الكمال كما أفهمه آخر الصافات من التنزيه والحمد وما معهما، وعلى ذلك دلت تسميتها بحرف " ص " لأن مخرجه من طرف اللسان، وبين أصول الثنيتين السفليتين، ولهمن الصفات الهمس والرخاوة والإطباق والاستعلاء والصفير، فكان دالا على ذلك لأن مخرجه أمكن مخارج الحروف وأوسعها وأخفها وأرشقها وأغلبها، ولأن ما له من الصفات العالية أكثر من ضدها وأفخم وأعلى وأضخم، ولذلك ذكر من فيها من الأنبياء الذين لم يكن على أيديهم إهلاك، بل ابتلوا وعرفوا وسلمهم الله من أعدائهم من الجن والإنس، وإلى ذلك الإشارة بما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن غيره من أن معناه : الله صادق فيما وعد، أو صدق محمد ( - ﷺ - )، أو صاد محمد ( - ﷺ - )، قلوب الخلق واستمالها، وبه قرأ أبو عمرو

(١) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ١١٤)


الصفحة التالية
Icon