جاءت قصة داود وقصة سليمان وما أغدق اللّه عليهما من النبوة والملك، ومن تسخير الجبال والطير، وتسخير الجن والريح، فوق الملك وخزائن الأرض والسلطان والمتاع.
وهما - مع هذا كله - بشر من البشر يدركهما ضعف البشر وعجز البشر فتتداركهما رحمة اللّه ورعايته، وتسد ضعفهما وعجزهما، وتقبل منهما التوبة والإنابة، وتسدد خطاهما في الطريق إلى اللّه.
وجاء مع القصتين توجيه النبي - ﷺ - إلى الصبر على ما يلقاه من المكذبين، والتطلع إلى فضل اللّه ورعايته كما تمثلهما قصة داود وقصة سليمان :«اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ.. إلخ»..
كذلك جاءت قصة أيوب تصور ابتلاء اللّه للمخلصين من عباده بالضراء. وصبر أيوب مثل في الصبر رفيع.
وتصور حسن العاقبة، وتداركه برحمة اللّه، تغمره بفيضها، وتمسح على آلامه بيدها الحانية.. وفي عرضها تأسية للرسول - ﷺ - وللمؤمنين، عما كانوا يلقونه من الضر والبأساء في مكة وتوجيه إلى ما وراء الابتلاء من رحمة، تفيض من خزائن اللّه عند ما يشاء.
وهذا القصص يستغرق معظم السورة بعد المقدمة، ويؤلف الشوط الثاني منها.
كذلك تتضمن السورة ردا على استعجالهم بالعذاب، وقولهم :«رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ»..
فيعرض بها - بعد القصص - مشهد من مشاهد القيامة، يصور النعيم الذي ينتظر المتقين. والجحيم التي تنتظر المكذبين. ويكشف عن استقرار القيم الحقيقية في الآخرة بين هؤلاء وهؤلاء. حين يرى الملأ المتكبرون مصيرهم ومصير الفقراء الضعاف الذين كانوا يهزأون بهم في الأرض ويسخرون، ويستكثرون عليهم أن تنالهم رحمة اللّه، وهم ليسوا من العظماء ولا الكبراء. وبينما المتقون لهم حسن مآب «جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ، مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ. وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ».. فإن للطاغين لشر مآب «جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ. هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ، وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ».. وهم يتلاعنون في جهنم ويتخاصمون، ويذكرون كيف كانوا يسخرون بالمؤمنين :«وَقالُوا : ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ. أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ؟» فإنهم لا يجدونهم في جهنم. وقد عرف أنهم هنالك في الجنان! فهذا هو جواب ذلك الاستعجال والاستهزاء!
وهذا المشهد يؤلف الشوط الثالث في السورة.