وأعقب ذلك ببيان أحوال القيامة، وحدوث نفختين : الأولى للإماتة، والثانية للإحياء من القبور، ثم يأتي الحساب والقضاء بالحق، وإيفاء كل نفس ما عملت.
وختمت السورة بتقسيم الناس يوم القيامة فريقين : فريق الكافرين الذين يساقون زمرا وجماعات إلى جهنم، ويشاهدون من أهوال المحشر، وفريق المؤمنين الذين يساقون إلى الجنان وتحييهم الملائكة، ويشاهدون في الجنة النعيم المقيم الذي يستدعي الحمد التام للّه رب العالمين، ويرون الملائكة حافين حول العرش يسبحون بحمد ربهم. (١)
وبعضهم يسميها سورة الغرف، وهي مكية. قيل : كلها، وعند بعضهم كلها إلا آيتين نزلتا بالمدينة اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وهي خمس وسبعون آية.
وكأنها امتداد لآخر سورة (ص) حيث ذكر فيها خلق حواء من آدم، وخلق الناس كلهم، ثم ذكر أنهم ميتون ثم ذكر أحوال القيامة من حساب وجنة ونار، وختم بالقضاء العدل بين الناس فالحمد للّه رب العالمين، ترى أن اللّه ذكر أحوال الخلق من المبدأ إلى المعاد مع اتصال ذلك كله بقصة آدم - عليه السلام - ذلك هو مجمل ما جاء في السورة، وزيادة على ما فيها من التعرض إلى نقاش المشركين وغيره مما هو معروف في السور المكية، وستعرفه في شرحها. (٢)
وتسمى سورة الغرف كما في الإتقان والكشاف لقوله تعالى : لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ [الزمر : ٢٠] أخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أنها أنزلت بمكة ولم يستثن، وأخرج النحاس عنه أنه قال : نزلت سورة الزمر بمكة سوى ثلاث آيات نزلت بالمدينة في وحشي قاتل حمزة قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ [الزمر : ٥٣] إلى ثلاث آيات، وزاد بعضهم قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ [الزمر : ١٠] الآية ذكره السخاوي في جمال القراء وحكاه أبو حيان عن مقاتل، وزاد بعض اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ [الزمر : ٢٣] حكاه ابن الجوزي، والمذكور في البحر عن ابن عباس استثناء اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ وقوله تعالى : قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا إلخ، وعن بعضهم إلا سبع آيات من قوله سبحانه قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا إلى آخر السبع وأيها خمس وسبعون في الكوفي وثلاث في الشامي واثنتان في الباقي وتفصيل الاختلاف في مجمع البيان وغيره، ووجه اتصال أولها بأخر صاد انه قال سبحانه هناك : إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ [ص : ٨٧] وقال جل شأنه هنا تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ [الزمر : ١] وفي ذلك كمال الالتئام بحيث لو أسقطت البسملة لم يتنافر الكلام ثم إنه تعالى ذكر آخر ص قصة خلق آدم

(١) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (٢٣ / ٢٣٨) و تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٢٣ / ١٣١)
(٢) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٢٥٣)


الصفحة التالية
Icon