الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ، وَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً، فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ.
وتارة عن طريق وعدهم بإجابة دعائهم، كما في قوله - تعالى - : وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ. كما يرها قد اهتمت بالحديث عن مصارع الغابرين، بأسلوب يغرس الخوف في القلوب، ويبعث على التأمل والتدبر. كما في قوله - تعالى - : كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ، وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ، فَأَخَذْتُهُمْ، فَكَيْفَ كانَ عِقابِ.
وكما في قوله - تعالى - : أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ.
كما يراها قبل كل ذلك وبعد كل ذلك لها أسلوبها البليغ المؤثر في إحقاق الحق وإبطال الباطل، وفي تثبيت المؤمن وزلزلة الكافر، وفي تعليم الدعاة كيف يخاطبون غيرهم بأسلوب مؤثر حكيم، نراه متمثلا في تلك النصائح الغالية التي وجهها مؤمن آل فرعون إلى قومه، والتي حكاها القرآن في قوله وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ، أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ، وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ. (١)
في هذه السورة حملة شديدة على الكفار وحكاية لمواقفهم الجدلية والساخرة. وإنذار لهم بالخزي في الدنيا والآخرة. ولفت نظر إلى مشاهد قدرة اللّه تعالى ونواميسه وأفضاله وتطمين للنبي - ﷺ - وتنويه بالمؤمنين واختصاصهم باستغفار الملائكة وشفاعتهم دون المشركين. وإشارة تذكيرية إلى ما كان من مواقف الكفار الأولين من رسل اللّه وعاقبتهم وندمهم وحسرتهم وعدم انتفاعهم بالإيمان بعد فوات الفرصة. وفيها فصل قصصي عن موسى وفرعون ومؤمن آل فرعون بسبيل التذكير والعظة.
وقد سميت السورة باسم (المؤمن) أيضا اقتباسا من ذكر مؤمن آل فرعون، وهي أولى سلسلة السور المعروفة بالحواميم. وقد روي عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ :" آلُ حم دِيبَاجُ الْقُرْآنِ " (٢). وروي وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ :" إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ لُبَابًا، وَإِنَّ لُبَابَ الْقُرْآنِ آلُ حم، أَوْ قَالَ : الْحَوَامِيمُ " (٣). ولقد
(٢) - شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِي(٢٣٦٩ )وفَضَائِلُ الْقُرْآنِ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ(٤٠٦ ) فيه انقطاع
(٣) - فَضَائِلُ الْقُرْآنِ لِلْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ (٤٠٤ ) حسن موقوف