في السورة تنويه بالقرآن وإحكامه ولغته وحكاية لما كان من مواقف الكفار الحجاجية وشدة إنكارهم وإعراضهم وتحدّيهم للقرآن وردود عليهم وإنذارهم وتذكير لهم بما كان من أمثالهم. وفيها صور لما سوف يكون من أمرهم يوم القيامة من خزي وحسرة. وفيها لفت نظر إلى مشاهد قدرة اللّه وعظمته في الكون واستحقاقه للعبادة والخضوع وحده، وتنويه بالمؤمنين ومصائرهم وبشرى لهم وحثّ على مكارم الأخلاق والتزامها وتطمين بنصر اللّه وتأييده وإرغام الجاحدين في الدنيا قبل الآخرة.
وفصول السورة مترابطة تلهم أنها نزلت دفعة واحدة أو متتابعة، وتسمى السورة باسم السجدة أيضا اقتباسا مما ورد فيها كما هو شأن الاسم الأول الموضوع عنوانا. (١)
سورة فصّلت أو : السجدة مكيّة، وهي أربع وخمسون آية.
تسميتها : سمّيت سورة فصلت لافتتاحها بقوله تعالى : كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ.. وقد فصّل اللّه تعالى فيها الآيات، وأوضح الأدلة والبراهين على وجوده وقدرته ووحدانيته، من خلقه هذا الكون العظيم وتصرفه فيه. وتسمى أيضا حم، السجدة لأن رسول اللّه ص عند قراءة أولها على زعماء قريش حتى انتهى إلى السجدة منها، سجد.
مناسبتها لما قبلها :
تظهر مناسبتها لما قبلها وهي سورة غافر من وجهين :
الأول - افتتاح كلتيهما بوصف الكتاب الكريم وهو القرآن العظيم.
الثاني - اشتراكهما في تهديد ووعيد وتقريع المشركين المجادلين في آيات اللّه في مكة وغيرها، ففي آخر السورة المتقدمة توعدهم بقوله : أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ [٨٢]، وفي القسم الأول من هذه السورة هددهم مرة أخرى بقوله :
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ : أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ [١٣]. وهذا كله مناسب لآخر سورة المؤمن من عدم انتفاع مكذّبي الرّسل حين رؤية العذاب، كما أن قريشا لم ينتفعوا حينما حلّ بصناديدهم القتل والأسر والنهب والسّبي، واستؤصلوا مثلما حلّ بعاد وثمود من استئصال.
مشتملاتها :
موضوع هذه السورة مثل موضوع باقي السّور المكية وهو إثبات أصول العقيدة :«الوحدانية، الرّسالة والوحي، البعث والجزاء».

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٤ / ٤٠٤)


الصفحة التالية
Icon