مع الكلام على القرآن الكريم، وبعض أخلاق الإنسان وطباعه، وغير ذلك مما يذكر في ثنايا الكلام فتفتح به القلوب، وتنار به البصائر، وتزكو به النفوس. (١)
وتسمى سورة السجدة وسورة حم السجدة وسورة المصابيح وسورة الأقوات، وهي مكية بلا خلاف ولم أقف فيها على استثناء، وعدد آياتها كما قال الداني خمسون وآيتان بصري وشامي وثلاث مكي ومدني وأربع كوفي، ومناسبتها لما قبلها أنه سبحانه ذكر قبل أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ [غافر : ٨٢] إلخ وكان ذلك متضمنا تهديدا وتقريعا لقريش وذكر جل شأنه هنا نوعا آخر من التهديد والتقريع لهم وخصهم بالخطاب في قوله تعالى : فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ [فصلت : ١٣] ثم بين سبحانه كيفية إهلاكهم وفيه نوع بيان لما في قوله تعالى : أَفَلَمْ يَسِيرُوا الآية، وبينهما أوجه من المناسبة غير ما ذكر. وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الخليل بن مرة أن رسول اللّه - ﷺ - كان لا ينام حتى يقرأ تبارك وحم السجدة. (٢)
هذه السورة الكريمة مكية، وهي تتناول جوانب العقيدة الإسلامية (الوحدانية، الرسالة، البعث والجزاء) وهي الأهداف الأساسية لسائر السور المكية التي تهتم بأركان الإيمان
* ابتدأت السورة الكريمة بالحديث عن القرآن، المنزل من عند الرحمن، بالحجج الواضحة، والبراهين الساطعة، الدالة على صدق محمد عليه الصلاة والسلام، فهو المعجزة الدائمة الخالدة للنبي الكريم.
* وتحدثت السورة عن أمر " الوحي والرسالة " فقررت حقيقة الرسول ( - ﷺ - ) وأنه بشر خصه الله تعالى بالوحي، وأكرمه بالنبوة، وإختاره من بين سائر الخلق ليكون داعيا إلى الله، مرشدا إلى دينه المستقيم.
* ثم انتقلت السورة للحديث عن مشهد الخلق الأول للحياة، خلق السموات والأرض، بذلك الشكل الدقيق المحكم، الذي يلفت أنظار المعرضين عن آيات الله، للنظر والتفكر والتدبر، ولكن ظلمات الكفر هي التي تحول بينهم وبين الإيمان، فالكون كله ناطق بعظمة الله، شاهد بوحدانيته جل وعلا.
* وعرضت السورة للتذكير بمصارع المكذبين، وضربت على ذلك الأمثلة بأقوى الأمم وأعتاها، قوم " عاد " الذين بلغ من جبروتهم أن يقولوا [ من أشد منا قوة ] ؟ وذكرت ما حل بهم وبثمود من الدمار الشامل، والهلاك المبين، حين تمادوا في الطغيان وكذبوا رسل الله.

(١) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٣٢٣)
(٢) - روح المعانى ـ نسخة محققة - (١٢ / ٣٤٧)


الصفحة التالية
Icon