قالُوا : أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ. وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ».. ومنها كذلك مشهد الحنق الواضح من المخدوعين على الخادعين :«وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا : رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا، لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ!»..
وهكذا تعرض حقائق العقيدة - في السورة - في هذا الحشد من المؤثرات العميقة. ولعل هذا الحشد المنوع من تلك المؤثرات يصف جو السورة، ويصور طابعها، ويرسم ظلالها.. والواقع أن القلب يجد أنه منذ مطلع السورة إلى ختامها أمام مؤثرات وإيقاعات تجول به في ملكوت السماوات والأرض، وفي أغوار النفس، وفي مصارع البشر، وفي عالم القيامة، وتوقع على أوتاره إيقاعات شتى كلها مؤثر عميق..
ويجري سياق السورة بموضوعاتها ومؤثراتها في شوطين اثنين، متماسكي الحلقات..
الشوط الأول يبدأ بالآيات التي تتحدث عن تنزيل الكتاب وطبيعته وموقف المشركين منه. وتليها قصة خلق السماء والأرض. فقصة عاد وثمود. فمشهدهم في الآخرة تشهد عليهم الأسماع والأبصار والجلود. ومن هنا يرتد إلى الحديث عنهم في الدنيا وكيف ضلوا هذا الضلال، فيذكر أن اللّه قيض لهم قرناء سوء من الجن والإنس.
يزينون لهم ما بين أيديهم وما خلفهم. ومن آثار هذا قولهم : لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون.
ثم موقفهم يوم القيامة حانقين على هؤلاء الذين خدعوهم من قرناء الجن والإنس! وعلى الضفة الأخرى الذين قالوا : ربنا اللّه ثم استقاموا. وهؤلاء تتنزل عليهم الملائكة - لا قرناء السوء - يطمئنونهم ويبشرونهم ويعلنون ولايتهم لهم في الدنيا والآخرة. ويلي هذا ما جاء عن الدعوة والداعية.. وبذلك ينتهي هذا الشوط.
ويليه الشوط الثاني يتحدث عن آيات اللّه من الليل والنهار والشمس والقمر والملائكة العابدة، والأرض الخاشعة، والحياة التي تهتز فيها وتربو بعد الموات. ويلي هذا الحديث عن الذين يلحدون في آيات اللّه وفي كتابه، وهنا يجيء ذلك الحديث عن هذا الكتاب. ويشار إلى كتاب موسى واختلاف قومه فيه. ويوكل أمرهم إلى اللّه بعد الأجل المضروب. وهنا يرد حديث عن الساعة واختصاص علم اللّه بها. وعلمه بما تكنه الأكمام من ثمرات، وما تكنه الأرحام من أنسال. ويعرض مشهد الكافرين وهم يسألون عن الشركاء. يلي هذا الحديث عن النفس البشرية عارية من أستارها. ومع حرص الإنسان على نفسه هكذا فإنه لا يحتاط لها فيكذب ويكفر، غير محتاط لما يعقب هذا التكذيب من دمار وعذاب.