وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حد التائبين؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (من تاب قبل موته بسنه قبل الله تعالى توبته) ثم قال: (ألا وإن ذلك لكثير) ثم قال: (من تاب قبل موته بنصف سنة قبل الله تعالى توبته). ثم قال: (ألا وإن ذلك لكثير) ثم قال: (من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته) ثم قال: (ألا وإن الشهر كثير) ثم قال: (من تاب قبل موته بيوم قبل الله توبته) ثم قال: (ألا وإن ذلك لكثير) ثم قال: (من تاب قبل موته بساعة قبل الله توبته). ثم قال: (ألا وإن ذلك لكثير) ثم قال: (من تاب قبل أن يغرغر قبل الله توبته). ثم تلا قوله تعالى: (ثُمَّ يَتوبون مِن قَريب) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل ما كان قبل الموت فهو قريب).
فكان خبره في هذه الآية عاما.
ثم احتجوا للتوبة في الآية التي بعدها على أهل المعصية، فقال تعالى: (وَلَيسَتِ التَوبَةُ لِلَذينَ يَعمَلونَ السَيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُم المَوتُ قال إِنّي تُبتُ الآنَ وَلا الَّذينَ يَموتونَ وَهُم كُفّارٌ أولئكَ أَعتَدنا لَهُم عَذاباً أَليماً). فنسخت في أهل الشرك، وبقيت محكمة في أهل الإيمان.
الآية الثامنة: قوله تعالى: (وَلا تَنكِحوا ما نَكَحَ آباؤُكُم مِنَ النِساءِ إِلّا ما قَد سَلَفَ).
للناس أقاويل: قالت طائفة: هي محكمة، وقالت: معناها: لكن ما قد سلف فقد عفوت عنه.
ومن قال: إنها منسوخة، قال: يكون معناها: وإلا ما قد سلف فانزلوا عنه.
وعلى هذا العمل.
الآية التاسعة: قوله تعالى: (وَأَن تَجمَعوا بَينَ الأَختَينِ). ثم استثنى بقوله تعالى: (إَلّا ما قَد سَلَفَ).
الآية العاشرة: قوله تعالى في متعة النساء: (فَما اِستَمتَعتُم بِهِ مِنهُنَّ فَآتوهُنَّ أجورَهُنَّ فَريضَةً).
وذلك: أن رسول الله ﷺ نزل منزلا في أسفاره، فشكوا فيه إليه بعد، فلما نزل خيبر حرم متعة النساء وأكل لحم الحمير الأهلية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني كنت أحللت لكم هذه المتعة، ألا وإن الله ورسوله قد حرماها عليكم، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب).
فنسخ هذه الآية ذكر ميراث الربع والثمن، ولم يكن لها نصيب في ذلك. وتحريمها موضع حرمان الربع والثمن.
وقال هذا ابن إدريس الشافعي رحمة الله عليه: تحريمها في سورة المؤمنين، عند قوله: (وَالَّذينَ هُم لِفُروجِهِم حافِظنَ. إِلّا على أَزواجِهِم أَو ما مَلَكَت أَيمانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مُلومينَ) إلى قوله تعالى: (فَأُولئِكَ هُمُ العادون) ثلاث آيات فنسخها الله تعالى بهذه الآية.
الآية الحادية عشرة: قوله تعالى: (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا لا تَأكُلوا أَموالَكُم بَينَكُم بِالباطِلِ إِلّا أَن تَكونَ تِجارَةً عَن تَراضٍ مِنكُم).
وذلك: أن هذه الآية لما نزلت قالت الأنصار: إن الطعام من أفضل الأموال، لأن به تقوم الهياكل. فتحرجوا أن يؤاكلوا الأعمى والأعرج والمريض، ثم قالوا: إن الأعمى لا ينظر إلى أطايب الطعام، أي لا يتمكن في المجلس فيتهنى بأكله. وإن المريض لا يسبقنا في الأكل مع البلع، فامتنعوا من مواكلتهم، حتى أنزل الله تعالى ذكره في سورة النور (لَيسَ عَلى الأَعمى حَرَجٌ) ومعناها: ليس على من أكل مع الأعمى من حرج، والحرج مرفوع عنه، وهو في المعنى عن غيره (وَلا عَلى الأَعرَجِ حَرَجٌ) أي ولا على من أكل مع الأعرج من حرج (وَلا عَلى المَريضِ حَرَجٌ) فصارت هذه الآية ناسخة لما وقع في حرجهم.
قال الشيخ رضي الله عنه: قوله تعالى: (لَيسَ عَلى الأَعمى حَرَجٌ) اللفظ للأعمى والمراد لغيره.
الآية الثانية عشرة: قوله تعالى: (وَالَّذينَ عاقَدَت أَيمانُكُم فَآتوهُم نَصيبَهُم).
كان الرجل في الجاهلية في أول بدء الإسلام يعاقد الرجل فيقول: ديني دينك، وهديي هديك، فإن مت قبلك فلك من ماني كذا وكذا. شيئا يسميه، فكانت هذه سنتهم في الجاهلية، فإن مات ولم يسم أخذ من ماله سدسه، فأنزل الله في آية أخرى: (وَأولوا الأَرحامِ بَعضُهُم أولى بِبَعضٍ) الأنفال: فنسخت هذه الآية كل معاقدة ومعاهدة كانت بينهم.
الآية الثالثة عشرة: قوله تعالى: (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا لا تَقرَبوا الصَلاةَ وَأَنتُم سُكارى).