نزلت في المدينة، إلا آية منها فإنها نزلت بمكة أو غيرها.
تحتوي من المنسوخ على تسع آيات.
أولهن: قوله تعالى: (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا ى تُحِلّوا شَعائِرَ اللَه) إلى قوله: (وَلا الهَديَ مَلا القَلائِدَ) هذا محكم.
والمنسوخ: قوله تعالى: (وَلا آمّينَ البَيتَ الحَرامَ) إلى قوله (رِضواناً) هذا منسوخ.
وباقي الآية محكم.
نسخ المنسوخ منها بآية السيف.
وذلك: أن الخطيم - واسمه شريح بن ضبيعة بن شرحبيل البكري - جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا محمد، أعرض علي دينك. فعرض عليه الدين، فقال: أرجع إلى قولي فأعرض عليهم ما قلته، فإن أجابوني كنت معهم وأن أبوا علي كنت معهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبي غادر). فمر بسرح لرسول الله ﷺ فاستاقه، فخرج المسلمون في إثره فأعجزهم.
فلما كانت عمرة القضية وهي العام السابع، فسمع المسلون تلبية الكافرين، وكانت كل طائفة من العرب تلبي على حدتها، فسمعوا بني بكر بن وائل تلبي ومعهم الخطيم، فلما أراد النبي أن يغير عليه أنزل الله ذلك، وهو قوله تعالى: (وَلا آمينَ البَيتَ الحَرامَ يَبتَغونَ فَضلاً مِن رَبَّهِم وَرِضواناً) يعني الفضل في التجارة، ورضواناً: أي رضاه، وهو لا يرضى عنهم، فصار ذلك منسوخا بآية السيف.
الآية الثانية: قوله تعالى: (فَاِعفُ عَنهُم وَاِصفَح).
نزلت في اليهود، ثم نسخ العفو والصفح بقوله: (قاتِلوا الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِاللَهِ وَلا بِاليَومِ الآخِر) إلى قوله (حَتّى يُعطوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صاغِرون).
الآية الثالثة: قوله تعالى: (إِنّما جَزاءُ الَّذينَ يُحارِبونَ اللَهَ وَرَسولُهُ).
نسخها الله تعالى بالاستثناء: (إِلّا الَّذينَ تابوا مِن قَبلِ أضن تَقدِروا عَلَيهِم).
الآية الرابعة: قوله تعالى: (فَإِنّ جاؤوكَ فَاِحكُم بَينَهُم أضو أَعرِض).
اختلف المفسرون على وجهين: فقال الحسن البصري والنخعي: هي محكمة، خير بين الحكم والإعراض.
وقال مجاهد وسعيد: تنسخها الآية التي بعدها: (وَأَنِ اِحكُم بَينَهُم بِما أَنزَلَ اللَهُ وَلا تَتَّبِع أَهواءَهُم).
الآية الخامسة: قوله تعالى: (ما عَلى الرَسولِ إِلّا البَلاغُ).
نسخ ذلك بآية السيف.
الآية السادسة: قوله تعالى: (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا عَلَيكُم أَنفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إِذا اِهتَدَيتُم).
فهذا منسوخ، وباقيها محكم.
وقال أبو عبد الله القاسم بن سلامة، أبو المؤلف: ليس في كتاب الله آية جمعت الناسخ والمنسوخ إلا هذه الآية.
قال الشيخ أبو القاسم المؤلف رحمه الله: ولي كما قال، هذه وغيرها.
وقد روي عن النبي ﷺ أنه قرأ هذه الآية، فقال: (يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها، والذي نفسي بيذه لتؤمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليعمنكم الله بعقابه، أو: تدعون فلا يجاب لكم).
والناسخ منها قوله: (إِذا اِهتَدَيتُم) والهدى ههنا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الآية السابعة: قوله تعالى: (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا شَهادَةُ بَينِكُم) إلى قوله (ذَوا عَدلٍ مِنكُم).
والمنسوخ: (أَو آخَرانِ مِن غَيرِكُم).
كان في أول الإسلام تقبل شهادة اليهود والنصارى سفراً ولا تقبل في الحضر. وذلك: أن تميما الداري وعدي بن زيد الأنصاريين أرادا أن يركبا البحر، فقال لهما قوم من أهل مكة: إنا نخرج معكما مولى لنا نعطيه بضاعة، وهم آل العاصي، وبضعوه بضاعة وأخرجوه معهما، فعمدا إلى ما معه فأخذاه منه وقتلاه، فلما رجعا إليهم قالوا: مولانا، ما فعل؟ قالوا: مات. قالوا: فما كان من ماله؟. قالوا: ذهب. فخاصموهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل اله هذه الآية: (أو آخَرانِ مِن غَيرِكُم) إلى آخر الآية.
ثم صار ذلك منسوخا بقوله: (وَأَشهِدوا ذَوَي عَدلٍ مَنكُم). فصارت شهادة الذميين ممنوعة في السفر والحضر.
الآية الثامنة: قوله تعالى: (فَإِن عُثِرَ عَلى أَنَّهُما) أي علم واطلع على أنهما (اِستَحَقّا إِثماً) يعني الشاهدين الأولين (فَآخَرانِ يَقومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذينَ اِستَحَقَّ عَلَيهِم الأَوليانِ).


الصفحة التالية
Icon