وقال الحجازيون: ناسخها الآية التي في بني إسرائيل وهي قوله تعالى: (وَمَن قُتِلَ مَظلوماً فَقَد جَعَلنا لِوَلِيِّهِ سُلطاناً فَلا يُسرِف في القَتلِ إِنَّهُ كانَ مَنصوراً) وقتل المسلم بالكافر إسراف لا يجوز عند جماعة من الناس، وكذلك قتل الحر بالعبد.
وقال العراقيون: يجوز واحتجوا بحديث ابن سلمان: أن النبي ﷺ قتل مسلما بكافر معاهد، وقال: (أنا أحق من وفي بعهده).
الآية الحادية عشر: قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيكُم إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوتُ إِن تَرَكَ خَيراً الوَصِيَّةُ لِلوالِدَينِ وَالأَقرَبينَ بِالمَعروفِ حَقّاً عَلى المُتَّقينَ).
نسخت بالكتاب والسنة: فالكتاب: قوله تعالى: (يوصيكُمُ اللَهُ في أَولادِكُم) الآية.
وأما السنة: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث).
وقد ذهبت طائفة إلى أن النبي ﷺ قال: (ومن لم يوص بقرابته ختم عمله بمعصية).
وقال جماعة: الآية كلها محكمة.
يذهب إلى هذا القول الحسن البصري، وطاوس، والعلاء بن زيد، ومسلم بن يسار.
الآية الثانية عشر: قوله عز وجل: (يا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِيامُ كَما كُتِبَ عَلى الَّذينَ مِن قَبلِكُم..) الآية.
اختلف الناس في الإشارة إلى من هي؟ فقالت طائفة: هي الأمم الخالية، وذلك أن الله تعالى ما أرسل نبيا إلا وفرض عليه وعلى أمته صيام شهر رمضان، فكفرت الأمم كلها وآمنت به أمة محمد صلى الله عليه وسلم. فيكون التنزيل على هذا الوجه مدحا لهذه الأمة.
وقال الآخرون: الإشارة إلى النصارى، وذلك: أنهم إذا أفطروا أكلوا وشربوا وجامعوا النساء ما لم يناموا، وكان المسلمون كذلك، وعليهم زيادة: فكانوا إذا أفطروا أكلوا وشربوا وجامعوا النساء ما لم يناموا أو يصلوا العشاء الأخيرة، فوقع أربعون من الأنصار فجامعوا نساءهم بعد النوم، من جملتهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وذلك: أنه راود امرأته عن نفسها، فقالت: إني كنت قد نمت. وكان أحد الزوجين إذا نام حرم على الآخر، فلم يلتفت إلى قولها وجامعها، فجاءت الأنصار فأقرت على أنفسها بفعالهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقر عمر رضي الله عنه على نفسه بفعله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد كنت يا عمر جديرا أن لا تفعل) فقام يبكي.
وكان النبي يمشي بالمدينة فرأى شيخا كبيرا من الأنصار يقال له صرمة بن قيس بن أنس، من بني النجار، وكان يهادي رجلين ورجلاه تخط الأرض خطا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما لي أراك يا أبا قيس طليحا) قال أبو القاسم: والطليح الضعيف. فقال: يا رسول الله، إني دخلت على امرأتي البارحة، فقالت لي: علي رسلك أبا قيس حتى أسخن لك طعاما قد صنعته لك. فمضت لإسخانه، فحملتني عيني فنمت، فجاءتني بالطعام، فقالت: الخيبة الخيبة، حرم والله عليك طعامك وشرابك، فأصبحت صائما، وعملت في أرضي، فقد غشي علي من الضعف. فرق له رسول الله ﷺ فدمعت عيناه.
وكانت قصة صرمة قبل قصة عمر رضي الله عنه والأنصار، فبدأ الله - تعالى ذكره - بقصة عمر والأنصار، لأن الجناح كان في الوطء أعظم من الأكل والشرب، فنزل قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِيام الرَفَثُ إِلى نِسائَكُم) إلى قوله (فَتابَ عَلَيكُم وَعَفا عَنكُم) في شأن عمر والأنصار. ونزل في قصة صرمة قوله تعالى: (وَكُلوا وَاِشرَبوا) إلى قوله: (ثُمَّ أَتِمّوا الصِيامَ إِلى اللَيلِ) فصارت هذه الآية ناسخة لقوله: (كُتِبَ عَلَيكُم الصِيامُ كَما كُتِبَ عَلى الَّذينَ مِن قَبلِكُم).
الآية الثالثة عشرة: قوله تعالى: (وَعَلى الَّذينَ يُطيقونَهُ فِديَةٌ طَعامُ مِسكينٍ).
وهذه الآية نصفها منسوخ ونصفها محكم.
وقد قرىء (يُطَوَّقونَه) فمن قرأ (يَطيقونَهُ) ومن قرأ (يُطَوَّقونَهُ) يعني يكلفونه.


الصفحة التالية
Icon