ونتج عن هذا الخلاف المذكور، خلاف آخر حول قراءة البسملة فى الفاتحة أثناء الصلاة "فمن ذهب إلى أنها آية من الفاتحة كالشافعى أوجب قراءتها.... ومن ذهب إلى أنها ليست آية من الفاتحة واعتمد الأحاديث الدالة على عدم قراءتها فى الصلاة منع من قراءتها كالإمام مالك، ومن رأى أنها ليست من فاتحة الكتاب، ولكنه صحت عنده الأحاديث التى تدل على قراءتها سراً طلب قراءتها سراً كأبى حنيفة - رحمه الله" ([٦٦])
مناقشة أدلة الفريقين:
أما بالنسبة لأدلة الفريق الأول فهى أدلة صحيحة وقوية فى ذاتها لكنها لا تنتج المدعى حيث لم يصرح فيها بنفى كون البسملة آية لا من الفاتحة ولا غيرها من السور.
وما جاء فى بعض أدلتهم من افتتاح النبى - ﷺ - وصحابته الصلاة بالحمد لله رب العالمين، فقد يقصد بذلك السورة نفسها وليس الآية المذكورة، وعليه فإنه يحتمل أن تكون البسملة داخلة فيها، ومعلوم أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط الاستدلال.
واما بالنسبة لأدلة أصحاب الاتجاه الثانى فالمناقشة معهم أكثر حدة من جهة عدم الوثوق بما استدلوا به من أدلة بعد أن وضعت فى ميزان النقد.
فحديث أم سلمة - رضى الله عنها - غير صحيح ففى سنده محمد بن هارون البلخى وهو لا يحتج به، قال فيه ابن مهدى وأحمد والنسائى: متروك الحديث. وقال عنه يحيى بن معين: كذاب خبيث. وقال الدارقطنى: ضعيف لا يحتج به. ([٦٧])
وحديث أبى هريرة مضطرب المتن، بجانب أنه اختلف فى رفعه ووقفه على أبى هريرة - رضى الله عنه. قال ابن حجر: صحح غير واحد من الأئمة وقفه على رفعه وأعله ابن القطان بهذا التردد، وتكلم فيه ابن الجوزى من أجل عبدالحميد بن جعفر فإن فيه مقالاً. ([٦٨])
وأما ما روى عن ابن عباس فهو اجتهاد منه، وغاية ما يدل عليه أن من لم يقرأ البسملة فى كل سورة فقد فاته أجر مائة وثلاث عشرة آية. وهذا صحيح مع كونه لا يدل على أنها آية.