ثم حاول ابن عطية أن يوجهها توجيهاً، يجعلها فيه موافقة للمتواترة، فتكون شاهدة لها، لا معارضة، فقال: وأيضاً فإن ما فى مصحف ابن مسعود يرجع إلى معنى أن يطوف، وتكون "لا" زائدة صلة فى الكلام كقوله تعالى: ((ما منعك ألا تسجد)) ([٨])، وكقول الشاعر:
ما كان يرضى رسولُ الله فعلَهمُ
والطيبان أبو بكر ولا عمرُ([٩])
وهذا ما لم يرتضه كثير من المفسرين، ومن بينهم ابن العربى الذى نقل هذا القول عن الفراء، ثم علق عليه بقوله: وهذا ضعيف من وجهين:
أحدهما: أنا قد بينا فى مواضع أنه يبعد أن تكون "لا" زائدة.
ثانيهما: أنه لا لغوى ولا فقيه يعادل عائشة -رضى الله عنها -، وقد قررتها غير زائدة، وقد بينت معناها، فلا رأى للفراء ولا لغيره. ([١٠])
ومراده تفسير عائشة -رضى الله عنها - للآية حين أشكل معناها على ابن أختها عروة بن الزبير، وقد تقدم عما قريب.
ومن العلماء الذين اعتمدوا على هذه القاعدة أيضاً فى الموازنة بين القراءات الواردة فى هذه الآية التى نحن بصددها الشيخ الأمين الشنقيطى فى كتابه "أضواء البيان" حيث قال:
فإن قيل: جاء فى بعض قراءات الصحابة ((فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما)) كما ذكر ذلك الطبرى وابن المنذر وغيرهما عن أبى بن كعب، وابن مسعود، وابن عباس -رضى الله عنهم - فالجواب من وجهين:
الأول: أن هذه القراءة لم تثبت قرآناً، لإجماع الصحابة على عدم كتبها فى المصاحف العثمانية، وما ذكره الصحابى على أنه قرآن، ولم يثبت قرآناً، ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يستدل به على شئ، وهو مذهب مالك والشافعى، ووجه ذلك أن الصحابى لما ذكره على أنه قرآن، وقد ثبت بطلان ذلك، فإنه يترتب عليه ألا يحتج به على شئ.
وقال بعض أهل العلم: إذا بطل كونه قرآناً لم يمنع ذلك من الاحتجاج به كأخبار الآحاد، التى ليست بقرآن.