ومن ثم فإنه لا يجوز الترجيح بينها، لكون كل منها قرآناً مقطوعاً بقرآنيته، ومن يفعل ذلك، فإنه يكون قد أنكر قرآناً أو وهّن من قدره، وفى كلا الأمرين من الإثم ما لا يخفى. لذا يجب أن يكون المفسر، والحالة هذه، على حيطة وحذر، بل عليه أن يحاول أن يجمع بين القراءتين اللتين ظاهرهما التعارض فى معنى مؤلف منهما ؛ لأنه يستبعد أن تتعارض قراءتان متوترتان تعارضاً مطلقاً لا يمكن معه الالتقاء بينهما، فإن لم يمكن ذلك التوفيق، فالقراءتان حينئذٍ بمنزلة آيتين، لكل واحدة منها معنى مستقل.
وعلى ذلك "فتوارد المعانى فى الآية الواحدة بسبب تعدد وجوه القراءة فيها هو نظير التضمين ([١٨]) فى استعمال العرب أو نظير التورية ([١٩]) والتوجيه ([٢٠]) فى علم البديع ونظير مستتبعات التراكيب([٢١]) فى علم المعانى ([٢٢])
أقوال العلماء فى اعتماد القاعدة:
١- قال السيوطى: ومنها - أى من فوائد اختلاف القراءات- المبالغة فى إعجازه بإيجازه، إذ تنوع القراءات بمنزلة الآيات، ولو جعلت دلالة كل لفظ آية على حده لم يخف ما كان فيه من التطويل. ([٢٣])
٢- وقال ابن الجزرى - وهو يتكلم عن فوائد اختلاف القراءات : وأما فائدة اختلاف القراءات وتنوعها ……… فمنها ما فى ذلك من نهاية البلاغة وكمال الإعجاز، وغاية الاختصار وجمال الإيجاز ؛ لأن كل قراءة بمنزلة الآية، إذ كان تنوع اللفظ بكلمة تقوم مقام آيات. ([٢٤])
٣- وقال الزرقانى : الخلاصة أن تنوع القراءات يقوم مقام تعدد الآيات، وذلك ضرب من ضروب البلاغة يبتدئ من جمال هذا الإيجاز وينتهى إلى كمال الإعجاز. ([٢٥])
٤- وقال الشنقيطى: اعلم أن القراءتين إذا ظهر تعارضهما فى آية واحدة كان لهما حكم الآيتين، كما هو معروف عند العلماء. ([٢٦])
٥- ومن المحدثين الدكتور محمد بكر إسماعيل الذى قال: تنوع القراءات بمثابة تعدد الآيات. ([٢٧])
وفى منع الترجيح بين القراءتين إليك طائفة من أقوال العلماء فى تقريره: