وبسبب اختلاف القراء اختلف أهل العلم، فذهب الجمهور إلى أن الحائض لا يحل وطؤها لزوجها حتى تتطهر بالماء ……… وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: إن انقطع دمها بعد مضى عشرة أيام جاز له أن يطأها قبل الغسل، وإن كان انقطاعه قبل العشرة لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت الصلاة. وقد رجح ابن جرير الطبرى قراءة التشديد، ثم قال الشوكانى: والأولى أن يقال: إن الله سبحانه جعل للحل غايتين كما تقتضيه القراءتان، إحداهما انقطاع الدم والأخرى التطهر منه، والغاية الأخرى مشتملة على زيادة على الغاية الأولى، فيجب المصير إليها، وقد دل على أن الغاية الأخرى هى المعتبرة قوله تعالى بعد ذلك ((فإذا تطهرن)) فإن ذلك يفيد أن المعتبر الاغتسال لا انقطاع الدم.
وقد تقرر أن القراءتين بمنزلة الآيتين، فكما أنه يجب الجمع بين الآيتين المشتملة إحداهما على زيادة بالعمل بتلك الزيادة، كذلك يجب الجمع بين القراءتين. ([٣٥]) وهذا تقرير لمضمون القاعدة.
المثال الثانى:
قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين)) ([٣٦])
حيث قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وعاصم فى رواية حفص (وأرجلِكم) بكسر اللام. وقرأ الباقون بالنصب، وهم نافع وابن عامر والكسائى وعاصم فى رواية شعبة. ([٣٧])
فأما من قرأ بالنصب فلوقوع الفعل وهو (اغسلوا) عليه أى واغسلوا (أرجلكم إلى الكعبين) فهو إذن معطوف على (وجوهكم)
ومن قرأ بالخفض (وأرجلِكم) فالعطف فى قراءته على (رءوسِكم) والرءوس الغرض فيها المسح وليس الغسل. ولذا أخذ العلماء من هذه الآية مشروعية المسح على الخفين الذى قررته السنة.
فصارت القراءتان هنا بمنزلة الآيتين ([٣٨]) إحداهما أثبتت مشروعية غسل الرجلين وهى قراءة النصب، والأخرى -وهى قراءة الخفض - أثبتت مشروعية المسح على الخفين.


الصفحة التالية
Icon