قال الشوكاني: "والظاهر أنهم لايودون أن ينزل على المسلمين أي خير كان، فهو لا يختص بنوع معين كما يفيده وقوع هذه النكرة في سياق النفي، وتأكيد العموم بدخول (من) المزيدة عليها، وإن كان بعض أنواع الخير أعظم من بعض فذلك لا يوجب التخصيص "١.
حرصهم على فتنة المؤمنين في دينهم والتشكيك فيه والتربص بهم.
قال تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ البقرة ١٠٩.
وقال تعالى: ﴿وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ وهو آل عمران ٦٩.
وقال تعالى: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ آل عمران ٧٢.
إن هذا الخبر من الله سبحانه يحمل في طياته التحذير لعباده المؤمنين من عباده الجائرين الذين جبلت نفوسهم على الخبث والحسد، واللؤم والنكد، والعداوة والبغضاء لمن خالفهم أو امتاز عنهم بشيء من فضل الله ورحمته ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ الله وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ محمد ٢٨. والتحذير من سلوك طريقهم، أو الوقوع في شراكهم، فإن عداوتهم معلومة في الظاهر والباطن، وقد علل الله سبحانه تمنيهم الخاسر بالحسد المتأصل في نفوسهم للخير الذي أنزل على المؤمنين من بعثة محمد ﷺ وما جاء من الهدى والطريق المستقيم.
وقد وردت روايات في السيرة تبين بعض مواقف الملأ من يهود من رسول الله ﷺ مثل حي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب، وكعب بن الأشرف وغيرهم من جلامدة الكفر وصناديد الظلم٢ (وهذه عند المؤمن أشد من كل أذى ومن كل سوء يصيبه باليد أو اللسان، فالذي يود له أن يخسر هذا الكنز العزيز الإيمان ويرتد إلى الكفر، هو أعدى
٢ انظر تفسير القران العظيم (١/٢٦٨) ط دار الفكر، وتفسير ابن أبي حاتم ١/ ٣٣١ تحقيق الزهراني.