ولست أوافقهما على ما فهماه من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أن النبي ﷺ بين كل لفظة في القرآن وكل آية، إفراداً وتركيباً ( انظر التفسير والمفسرون ١/٤٩).
والذي يظهر لي من كلام شيخ الإسلام أن النبي ﷺ إنما بين معاني القرآن التي تحتاج إلى بيان، أما ما لا يحتاج إلى بيان - وهو كثير في القرآن _ فلم يكن بحاجة إلى تبيينه، إذ هو واضح لا يحتاج إلى بيان، والقرآن إنما نزل بلغة العرب كما قال تعالى :((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)) (إبراهيم: ٤).
وقال تعالى :((بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ)) (الشعراء: ١٩٥).
فهذا ما ينبغي أن يحمل عليه كلام شيخ الإسلام رحمه الله، وهو ما يليق بمكانته ومنزلته، لذا لم أر من المتقدمين من ذكر هذا الخلاف، أو فهم هذا الفهم من كلام شيخ الإسلام، بل إن السيوطي رحمه الله - الذي نقل عنه الذهبي - قد نقل قول شيخ الإسلام ابن تيمية في الإتقان، ولم يتعقبه بشيء، ولا فهم منه هذا الفهم، بل أثنى على قول الشيخ في الجمله بعد أن ذكر مقدمته مختصرة، فقال :" كلام ابن تيمية ملخصاً، وهو نفيس جداً (٢/٢٢٨ ).
وما أحسن ما قال الإمام ابن القيم رحمه الله في وصف حال المتأخرين ـ في عصره - وتصرفهم في كلام الأئمة، وتحميلها ما لا تحتمل، قال : المتأخرون يتصرفون في نصوص الأئمة، ويبنونها على ما لم يكن لأصحابها ببال، ولا جرى لهم في مقال، ويتناقله بعضهم عن بعض، ثم يَلْزَمُهم مِن طَرْدِه لوازم لا يقول بها الأئمة. فمنهم من يطردها ويلتزم القول بها، ويضيف ذلك إلى الأئمة، وهم لا يقولون به، فيروج بين الناس بجاه الأئمة، ويٌفتى به، ويُحكم به، والإمام لم يقله قط، بل يكون قد نص الإمام على خلافه(١)