وأما من قال : إن النبي ﷺ لم يبين من القرآن إلا آيات بعدد كالخويي وغيره فمرادهم _ فيما يظهر _ البيان القولي، بخلاف ما هو بيّن بنفسه، أو بينته السنة الفعلية، فهو كثير في القرآن. وقد استدل أصحاب هذا القول بأدلة، منها :
١- ما أخرجه البزار وأبو يعلى، عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما كان رسول الله ﷺ يفسر شيئاً من القرآن إلا آياً بعدد، علمهن إياه جبريل ".
وهذا الحديث لا يصح إسناده كما نبه على ذلك الإمام ابن كثير رحمه الله(١)وغيره، وعلى فرض صحته فإنه محمول على البيان القولي كما سبق ـ وهو قليل حسب ما ذكره السيوطي في آخر كتابه الإتقان (٢/٢٤٤) ـ. أو هو محمول على ما كان اجتهاداً منه ﷺ كما تدل على ذلك رواية أبي يعلى :" كان لا يفسر شيئاً من القرآن برأيه(٢)، وفي هذا تعليم لأمته ألا يقولوا في القرآن بمجرد الرأي.
ويرى ابن جرير رحمه الله أن ذلك محمول على ما لا يُدرك علمه إلا ببيان الرسول ﷺ، كتفصيل المجمل من أمر الله ونهيه، وحلاله وحرامه، وحدوده وفرائضه، وسائر معاني شرائع دينه مما لا يُعلم تأويله إلا ببيان رسول الله ﷺ، ولا يعلمه رسول الله ﷺ إلا بتعليم الله إياه وذلك بوحيه إليه.. أما ما لابد للعباد من علم تأويله فقد بينه لهم النبي ﷺ، وهو البيان العام الذي اقتضاه قوله تعالى :((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)).
(٢) أخرجه أبو يعلى في مسنده برقم ٤٥٢٨.