ثم قال ابن جرير رحمه الله :" ولو كان تأويل الخبر عن رسول الله ﷺ _ أنه كان لا يفسر من القرآن شيئاً إلا آياً بعدد - هو ما يسبق إليه أوهام أهل الغباء، من أنه لم يكن يفسر من القرآن إلا القليل من آيه واليسير من حروفه ؛ كان إنما أنزل إليه الذكر ليترك للناس بيان ما أنزل إليهم، لا ليبين لهم ما أنزل إليهم(١).
٢- قالوا : إن تفسير القرآن على وجه القطع لا يُعلم إلا بأن يُسمع من الرسول ﷺ، وذلك متعذر إلا في آيات قلائل، فالعلم بالمراد يُستنبط بأمارات ودلائل، والحكمة فيه أن الله تعالى أراد أن يتفكر عباده في كتابه، فلم يأمر نبيه بالتنصيص على المراد في جميع آياته(٢).
والجواب : أن هذا القول مخالف لقول الله تعالى :((لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)).
وقد سبق أن النبي ﷺ بيّن المعاني الضرورية التي تحتاجها الأمة، أو ما لا سبيل إلى بيانه إلا عن طريقه. أما ما سوى ذلك فهو إما أن يكون واضحاً لا يحتاج إلى بيان، أو هو متروك لاجتهاد الأمة في النظر والاستنباط بحسب الحاجة، ولذا ختم الآية بقوله :((وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)).
٣- ومن حججهم : دعاء النبي ﷺ لابن عباس: ((اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)) ؛ قالوا : لو بيّن النبي ﷺ جميع معاني القرآن ما كان لتخصيص ابن عباس بهذا الدعاء من فائدة... وقولهم هذا إنما هو حجة على من قال إن النبي ﷺ بيّن جميع معاني القرآن، ولسنا نقول بذلك، فيكون دعاء النبي ﷺ لابن عباس إنما هو في غير المعاني الضرورية التي بينها النبي ﷺ مما يدخل في قوله تعالى :((وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)).
(٢) نقله السيوطي عن الخويي في الإتقان : ٢/٢٢٣.