وذهب جمع من أهل العلم إلى جواز نسخ القرآن بالسنة، وهو رواية عن أحمد وقول أبي حنيفة ومالك(١).
وقال به الكوفيون(٢)وحجتهم قوله تعالى :((وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)) (النجم: ٣-٤).
واحتجوا أيضاً بأن الكل حكم الله تعالى ومن عنده، وإن اختلفت في الأسماء(٣).
وفرّق بعضهم بين السنة المتواترة، وغير المتواترة، فجوّزوا نسخ القرآن بالسنة المتواترة المقطوع بثبوتها، ومنعوه بغيرها..
وبسط الكلام في هذه المسألة يطول، لكن الذي ظهر لي بعد النظر في أقوال المختلفين وأدلتهم أن هذه المسألة لا وجود لها أصلاً، فلم يرد نص من السنة ينسخ نصاً من القرآن.
والذين قالوا بالجواز لم يذكروا مثالاً واحداً صحيحاً يؤيد ما قالوه وما ذكروه من الأمثلة وهو قليل جداً غير مسلّم لهم، إذ هو من قبيل البيان أو التخصيص، لا من قبيل النسخ. أو هو منسوخ بآيات أخر من القرآن يعضدها ما ذكروه من السنة، ولذا قال الشافعي رحمه الله : حيث وقع نسخ القرآن بالسنة فمعها قرآن عاضد لها والمعنى أن السنة لا تستقل وحدها بنسخ القرآن ولا تقوى على ذلك، لأنه أعلى منها منزلة.
وقال الزركشي في البرهان : كل ما في القرآن مما يدعى نسخه بالسنة عند من يراه، فهو بيان لحكم القرآن(٤).
ومن أمثلة ما ذكروه في نسخ القرآن بالسنة : آية الوصية :((كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ)) (البقرة: ١٨٠).
قالوا إنها منسوخة بحديث :((لا وصية لوارث ))، ولا يسلّم لهم ذلك، فإن الصواب أن هذه الآية نسخت بآية المواريث في سورة النساء، بدليل الحديث نفسه حيث جاء في أوله :((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه)).
(٢) انظر : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ٢/٦٥.
(٣) انظر : الناسخ والمنسوخ للكرمي، ١/٣٤.
(٤) البرهان في علوم القرآن : ٢/٤٣.