وقد ذكروا أمثلة أخرى ذكرها الزرقاني في مناهله وأجاب عنها، وخلص إلى أن نسخ القرآن بالسنة وإن أمكن وقوعه عقلاً وشرعاً، فهو لم يقع حقيقة(١)، وهذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم.
المقدار الذي بينه النبي ﷺ من القرآن :
ومن المسائل المتعلقة بهذا الموضوع، والتي خاض فيها بعض من كتبوا في علوم القرآن من المعاصرين كالذهبي وغيره ؛ مسألة : هل بين النبي ﷺ جميع معاني القرآن، أم أنه لم يبين إلا معاني آيات معدودة منه ؟.
قولان، الأول ينسبونه إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بناء على ما فهموه من كلامه في مقدمته حيث قال :" يجب أن يُعلم أن النبي ﷺ بيّن لأصحابه معاني القرآن، كما بيّن لهم ألفاظه، فقوله تعالى :((لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)) (النحل: ٤٤) يتناول هذا وهذا(٢).
والقول الثاني ذكره السيوطي في الإتقان (٢/٢٢٣) عن الخٌوَيِّي(٣).
وقد ذكر الخلاف في ذلك وفصل أدلته الذهبي في كتابه (التفسير والمفسرون)، واختار قولاً وسطاً، وهو أن النبي ﷺ لم يبين جميع معاني القرآن، وإنما بين أكثرها، وتبعه الدكتور فهد الرومي في كتابه في أصول التفسير وهو قول ثالث في المسألة.

(١) انظر : مناهل العرفان : ٢/ ١٧٢، ١٧٣.
(٢) انظر مقدمة الشيخ في التفسير : ص٣٥. ومراده بالألفاظ هنا : الحروف، أي مجرد تلاوته كما صرّح بذلك في كتابه ( بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية أهل الإلحاد ) ص٣٣٠، وكذلك ابن القيم في ( مختصر الصواعق المرسلة ) ص٥١٠.
(٣) هو القاضي شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خليل الخُوَيِّيّ (نسبة إلى خُوَيّ بأذريبجان) ت ٦٩٣،
وفي بعض النسخ : الخوبي، وفي بعضها : الخويبي، وهو تصحيف. (انظر : سير أعلام النيلاء : ٢٣/٦٤، والبداية والنهاية : ١٧/٦٦٩ بتحقيق التركي).


الصفحة التالية
Icon