إن الله (تعالى) عالم بما فرض وبرفع ذلك الفرض وإزالة حكمه وانقضاء زمن تلك العبادة ووقت الفرض الناسخ للفرض الأول. فهو (تعالى) علام الغيوب، ليس علم شيء عنه بمحجوب، يعلم سبحانه عواقب الأمور وكل شيء عنده في كتاب مسطور. بخلاف البداء: فإنه من أوصاف أفعال المخلوقين الذين لا يعلمون عواقب الأمور كقول القائل إذا أمر المأمور: افعل كذا، ثم يظهر له بعد الأمر به والعزم عليه خلافه، ويظهر له أن تركه أولى من فعله ولم يكن ما ظهر له ثانياً في نيّته حين أمر بالأول، ولم يعلم أن ما أمر به سيبدو له وجه المصلحة في الرجوع، عنه ومع ذلك فهو لا يعلم أي الأمرين خير له: ما عزم أولاً أم ما بدا له ثانياً بل كل ذلك تبعاً للظن تغليباً له بقياس يستعمله العقل ويريه إياه في مرآة التجارب، وكثير من يخطىء في القياس ويغلط فيه للعجز عن إدراك حقائق الأشياء لأن ذلك مما استأثر الله به دون خلقه (تعالى الله علام الغيوب). فهذا هو الفرق بين النسخ والبداء، وهو من دقيق هذا العلم فاعرفه.
قال بعضهم: ولخفائه على كثير من الناس منعت طائفة من الصوفيين وجماعة من الأصوليين كأبي مسلم الأصفهاني جواز النسخ في القرآن، وأثبتوا نسخ الشرائع، فمثلهم مثل قولك: أنت صادق يا فلان فيما أخبرت به وكاذب فيه، جهلاً منهم بمعرفة الفرق بين النسخ وبين البداء الجائز على المخلوقين. ولو تأمل من أنكر النسخ في القرآن ما ذكر من الفرق بينهما لرجع عن معتقده الفاسد، نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى.
إذ تقرر ذلك فلنشرع في المقصود بعون الملك المعبود.
ذكر ضوابط قبل الشروع في المهم من المقصود:
١) أن الأمر بالقتال وإباحته في كل مكان وكل زمان ناسخ لجميع ما جاء في القرآن مما فيه الصبر على الأذى من المشركين واللين لهم والصفح والإعراض عنهم والعفو والغفران لهم والجنوح لهم والجنوح للسلم إذا جنحوا لها.