٦) قوله (تعالى): "إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه، إن الله غفور رحيم": نسخ بعضها بالسنة وهو قوله (عليه الصلاة والسلام): أحلّت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد والكبد والطحال، وقد مر أن ما بيّنته السنة بالتخصيص لا يسمى نسخاً للقرآن. قلت: وممّا يؤيده أن هذا خبر مؤكد موجب بحرف التوكيد، ناف بالحصر ما عداه، فمفهومه حلّ ما عدا المذكور. مع أن السنة حرّمت أشياء كثيرة من السباع والبهائم والطيور مما هو معلوم عند الفقهاء ولا يقال أن ذلك ناسخ لمفهوم الآية، بل السنة جاءت مخصّصة لمنطوق الآية ومفهومها فتأمل.
٧) قوله (تعالى): "الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى"، نزلت في حنين في العرب أراد أحدهم أن يقتل من خصمه الحر بالعبد. قال هبة الله: أجمع المفسرون على نسخ هذه الآية، قلت: وفي دعوى الإجماع بل في صحة النسخ نظر، واختلفوا في ناسخها: فقال بعضهم: نسخها قوله (تعالى): "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس" الآية، وهو مذهب أهل العراق، فإن قال قائل هذا مكتوب على بني إسرائيل فكيف يلزمنا حكمه؟ جوابه: أن آخر الآية ألزمنا وهو: "من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون. وقال آخرون: ناسخها قوله (تعالى) في الإسراء: "ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل"، وقتل الحر بالعبد إسراف وكذلك قتل المسلم بالكافر، قلت: دعوى النسخ بهذه الآية فيه نظر لأنها مكية والبقرة مدنية، وأيضاً هذه لا تصلح أن تكون ناسخاً إلا لقوله: "النفس بالنفس"، لولا ما مرّ لكن السنة خصّصت فيها عدم قتل الحر بالرقيق والمسلم بالكافر عند الأئمة الثلاثة خلافاً للحنفية وخصّصت أيضاً عدم قتل الفرع بالأصل إجماعاً.