النسخ لغة: التبديل والرفع والإزالة والنقل وسيأتي معناه شرعاً، وقال المحققون: النسخ على ثلاثة أقسام: الأول: المعنى الشرعي: أن يكون مأخوذاً من قول العرب: "نسخت الشمس الظل" إذا أزالته ورفعته بانبساطها وحلّت محلّه، وهذا موافق لما أزال القرآن لفظه وحكمه وحلّ محله. قلت: ويمثل له بآية الخمس رضعات، أو حكمه دون لفظه. الثاني: أن يكون مأخوذاً من قولهم: "نسخت الريح الآثار"، وكذا يقولون في الأمطار إذا أزالتها ومحتها، قلت: وهو بمعنى الأول من حيث الإزالة لا من حيث الحلول لأن الريح لا تحلّ محلّ ما أزالته حيناً، وهذا مواقف في القرآن لما زال لفظه دون حكمه كآية الرجم أو زالا معاً. الثالث: أن يكون مأخوذاً من قولهم: "نسخت الكتاب" إذا نقلته حاكياً للفظه وحروف هجائه. قال أبو محمد المعروف بمكي في كتابه (الناسخ والمنسوخ): وهذا الوجه لا يصح أن يكون في القرآن، وأنكر على جعفر أحمد بن النحاس حيث أجاز أن يكون في القرآن واحتج بأن الناسخ فيه لا يأتي بلفظ المنسوخ وإنما يأتي بلفظ آخر، وانتصر صاحب كتاب (الإيجاز) لأبن النحاس فقال: والذي قاله أبوجعفر قريباً مستعملاً في كتاب الله، قال (تعالى): "إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون"، وقال: "وأنه في أم الكتاب لدينا الآية" ومعلوم أن ما نزل من الوحي هو ما في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ كما قال (تعالى): "في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون"، ومنه ينقل ما ينزل، قال (تعالى): "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب"، فهذا أدلّ دليل على جواز النسخ في كتاب الله (تعالى) يعني بالمعنى المذكور، فالقرآن على هذا التأويل منسوخ من أم الكتاب منقول بالخط وحروف الهجاء، وأمّ كل شيء في كلام العرب أصله، وأمّ الكتاب اللوح المحفوظ، فالذي علّل به مكي واعترض لا يبطل استعمال هذا الوجه ومجيئه. قلت: وفي جواب صاحب الإيجاز عن ابن النحاس ليردّ ما قاله مكي نظر، فأن هذا أمر متفق عليه والقرآن بهذا