٣) الثالث: ما رفع حكمه ورسمه وزال حفظه من القلوب. وإنما علم ذلك من أخبار الآحاد كما روي عن أبي موسى الأشعري أنه قال: نزلت سورة نحو براءة ثم رفعت، وروى هبة الله البغدادي في كتابه عن أنس بن مالك أنه قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سورة تعدلها سورة التوبة، ما أحفظ منها إلا آية واحدة، وهي: لو أن لابن آدم واديين من ذهب لابتغى لهما ثالثاً، ولو أن له ثالثاً لابتغى إليهما رابعاً، فلا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب. وكذلك روى ابن مسعود قال: أقرأني النبي (صلى الله عليه وسلم) آية فحفظتها وأثبتّها في مصحفي، فلما كان الليل رجعت إلى حفظي فلم أجدها، وغدوت على مصحفي فإذا التوراة بيضاء، فأخبرت رسول الله (صلى الله عليه وسلم): فقال لي: يا ابن مسعود تلك رفعت البارحة. وذكروا أن سورة الأحزاب كانت مثل سورة البقرة فرفع أكثرها.
٤) الرابع: ما رفع حكمه ورسمه ولم يزل حفظه من القلوب، فلذلك وقع الاختلاف في العمل بالناسخ، وهذا أيضاً إنما علم من طريق أخبار الآحاد نحو حديث مسلم عن عائشة (رضي الله عنها): كان فيما أنزل الله عشر رضعات معلومات فنسخت بخمس معلومات، فحكم العشر رضعات غير معمول به إجماعاً وإنما الخلاف في التحريم برضعة واحدة على نص القرآن في قوله: "وإخوانكم من الرضاعة"، قلت وبظاهر نص القرآن أخذت الحنفية والمالكية فحرّموا برضعة وبحديث عائشة أخذت الشافعية والحنابلة فحرموا بخمس رضعات.
٥) الخامس: ما فرض العمل به لعِلّة ثم ترك العمل لزوال العلة الموجبة وبقى اللفظ والخط، نحو قوله (تعالى): "وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار" الآية، وقوله (تعالى): "وآتوهم ما انفقوا"، كل ذلك أمروا به بسبب المهادنة التي كانت بينه (عليه الصلاة والسلام) وبين مشركي قريش، ثم زال ذلك الفرض لزوال العلة وهي الهدنة.