٢) الثاني: نسخ السنة بالقرآن: وفيه خلاف بين العلماء فمنهم من منع ومنهم من أجاز، وعلى الجواز أكثر الأئمة وجمهور العلماء. فمن منع احتجّ بأن السنة مبيّنة للقرآن فلا يجوز أن يكون المبين ناسخاً للمبين لأن نسخ ما يبين الشيء داع إلى عدم البيان، قال (تعالى): "لتبين للناس ما أنزل إليهم"، وقال (تعالى): "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" الآية. وأجيب عن الجمهور بأن هذا ليس بدافع لما قالوا به من الجواز، لأنه إذا جاز نسخ القرآن بالقرآن وهو الذي لا يجوز على منزّله البداء فيه، فأحرى وأولى أن يكون القرآن ناسخ فعل من يجوز عليه البداء. ألا ترى أن (عليه الصلاة والسلام) كان قد أحلّ المتعة في بعض الغزوات ثلاثة أيام وأمر المسلمين بالتوجه إلى بيت المقدس في الصلاة، وردّ من جاء مهاجراً من المشركين للمعاهدة وغير ذلك من أفعاله التي نسخها الله (تعالى) بما أنزل عليه نحو ما نسخ (سبحانه) من فعله (عليه الصلاة والسلام) وفعل أصحابه بما كانوا عليه في الكلام في الصلاة بقوله (تعالى): "وقوموا لله قانتين"، ونحو استغفاره (عليه السلام) لعمه نسخ بقوله (تعالى): "ما كان للنبي والذين آمنوا معه أن يستغفروا للمشركين"، وهو كثير في القرآن. قلت: هذا حاصل ما قالوه، وفي الحقيقة لا خلاف بين الفريقين لأن من أجاز نسخ السنة بالقرآن أطلق في السنة ومن منع قيد السنة المبينة للقرآن، ولا شك أن المبيّن للقرآن من السنّة لا ينسخ ولو سلمنا نسخ السنة المبيّنة للقرآن لرجع في الحقيقة إلى نسخ القرآن بالقرآن، فإذاً لا خلاف بين الفريقين بحسب الحقيقة. فأفهم، فإني لم أر أي حرج بالجمع بين كلام الفريقين. ويؤيد ما قلته قول بعض المحققين أن المبين من السنة للقرآن نوع على حدته؛ لا يسمى ناسخاً ولا منسوخاً.


الصفحة التالية
Icon